عبدالوهاب الفايز
وافق مجلس الشورى الأسبوع الماضي على مقترح مشروع نظام منح الأوسمة والجوائز الأجنبية للسعوديين المقدم استنادًا للمادة (23) من نظام المجلس. طبقا لبيان صادر عن المجلس، (يهدف مشروع نظام منح الأوسمة والجوائز الأجنبية المقدمة للسعوديين إلى تنظيم الترشح وقبول الأوسمة والجوائز الأجنبية المقدمة إلى مواطني المملكة بصفتهم الشخصية وليست الرسمية، كما ينظم آلية الموافقة على حصول الأوسمة والجوائز أو الترشح لها، وفق عدد من المتطلبات).
تصويت الأعضاء بالأغلبية لمصلحة القرار خطوة إيجابية يشكرون عليها، فالمجلس حرص على تبني المشروع حتى نضع (حوكمة) وضوابط للأوسمة والجوائز الأجنبية المقدمة للمواطنين السعوديين بصفتهم الشخصية، ولكي نضع العلاقة الدبلوماسية الشعبية بين بلادنا والدول الصديقة في الإطار السليم الذي يخدم مصلحة بلادنا العليا، وأيضا لنحمي (أمننا الوطني)، ولنضع الجهود الشعبية الإيجابية للسعوديين في المسار الذي يخدمهم ويخدم بلادهم.هذا القرار يُفترض أن يكون منطلقًا لجهد منظم أوسع. هذا دور وزارة الخارجية. لعلها تبادر إلى تبني هذا الواجب الوطني، بالتعاون مع الأجهزة الحكومية والأهلية، لتطوير (ثقافة التواصل الدبلوماسي الشعبي) مع السفارات والمجتمع الدبلوماسي. من مصلحتنا استثمار التطورات الجديدة في وسائط التواصل الاجتماعي كإحدى وسائل التفاعل بين الشعوب، وضروري تطوير ثقافة التواصل الدبلوماسي حتى يخدم مشروع بلادنا الطموح لتعميق وتوسيع تفاعلاتها الدولية في مختلف المجالات، وليخدم التوسع في برامج ومبادرات التنشيط السياحي والترفيهي.
كل هذه الأمور أوجدت بيئة واسعة لتواصل السعوديين مع المقيمين بيننا من الجاليات المختلفة ومن الزوار والسياح الذين نعتز ونسعد بتواجدهم بيننا.
استثمار هذا التواجد يتطلب بناء (مرشدات ومحددات) للتواصل الثقافي والاجتماعي مع أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي المتواجد في المملكة، تأخذ في الاعتبار: التعريف الدقيق والعملي للطرق المثلى التي تحافظ على مصالح الوطن وأمنه واستقراره. نحتاج معرفة فن وآداب التعامل مع السلك الدبلوماسي الأجنبي: ما الحدود المقبولة والمتعارف عليها للتعامل الإنساني والأخلاقي؟ وما الطريقة الايجابية المثلى للتعامل مع ما يُطرح في التواصل الاجتماعي من حوارات ونقاشات معهم، بالذات لضبط المعلومات والآراء التي نبديها عن بلادنا؟
أحيانا ترى في الردود والتفاعل مع ما يثار عن بلادنا من الدبلوماسيين الأجانب أمورًا غير مرغوبة، حيث يتحول البعض إلى (صندوق وكتاب مفتوح) يقدم آراء ومعلومات خارج إطار المكان والزمان المناسبين! الطيبة والحماسة لدى البعض قد تسلك معارج غير حميدة وربما تُحسب علينا، وعلى بلادنا وتؤخذ كمؤشرات على الوضع القائم، وتُبنى عليها التقارير الخاصة التي ترفع عن بلادنا، والتي قد تتضمن آراء وتوصيات للحكومات، وقد يترتب عليها مواقف أو توجهات أو قرارات سلبية.
في هذا الصدد، مما تتناقله الحكايات أنّ شخصين مظلومين حكم عليهما بالإعدام بالمقصلة، هما (حكيم عادل وملقوف هذار). عند لحظة الإعدام تقدّم الحكيم إلى المقصلة فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها؟ فقال: العدالة هي من ينقذني. ونزلت المقصلة ولكن عندما وصلت لرأسه توقفت. فتعجّب النّاس، وقالوا: أطلقوا سراحه، فقد قالت العدالة كلمتها، ونجا الحكيم. ثم جاء دور الهذار فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها؟ فقال: أعرف أنّ هناك عقدة في حبل المقصلة لا تمكن المقصلة من النزول التام، فنظروا للمقصلة ووجدوا فعلا عقدة، فحلوها وأنزلوا المقصلة لتقطع رأسه. هذه الحكاية تؤكد فضل الحكمة والتعقل في الحديث حتى وإن كنت تعرف الحقيقة. فهل يتعظ كثير لدينا عندما يتحدثون مع أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي ولا يكونون كالهذار!
الحكمة والتعقل نحتاجهما في ظل دخول الآليات الجديدة للتواصل الإعلامي والثقافي السريع والآني بين الشعوب عبر الوسائط المتعددة. هذا أدى إلى دخول مفهوم الدبلوماسية الشعبية بقوة في العمل الدبلوماسي والسياسي الدولي. وهذه الآليات تقدم لنا ولبلادنا الفرصة لتعزيز علاقاتها، والأهم: إبراز مساهمات بلادنا في الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإنساني عالميا. بلادنا في مقدمة الدول المساهمة في جهود السلام، وبرامج الإغاثة الإنسانية، وتأتي في مقدمة الدول الداعمة لمقومات التنمية المستدامة عبر برامج الصندوق السعودي للتنمية، وعبر مركز الملك سلمان للإغاثة.
تعزيز هذه المكانة الإيجابية التي نفخر بها لبلادنا، تعزز أهمية تبني ثقافة التواصل الدبلوماسي لتطوير التعامل الإيجابي الذي يساعد بلادنا على تنمية علاقاتها مع الشعوب مباشرة، أو عبر السفارات في المملكة وممثلياتها، أو عبر وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني العالمية، وممثليات التكتلات والمنظمات الدائمة في المملكة. التفاعل الإيجابي المنظم المحترف الذي يخدم مصالحنا العليا مع كل هؤلاء ضروري لبلادنا، فأغلبهم سيكونون خبراء في الشأن المحلي.
لدينا المنهج الإيجابي الذي تتبناه قيادات بلادنا السابقة والحالية للتواصل مع الشعوب، وهو نموذج منفتح يتحرى تغليب المصالح العليا والحرص عليها في التواصل مع قيادات الدول والشعوب. هذا الموروث الإيجابي هو الذي نحتاج تطويره والبناء عليه والاستفادة منه، بالذات ونحن نعمل على تعميق موروث الدولة والبناء عليه عبر مشروع تبني يوم جديد لتأسيس الدولة قبل ثلاثة قرون.
نحن في حقبة التأصيل السياسي الذي يستدعي بناء منظومة متطورة لـ(التنمية الثقافية السياسية) للشعب السعودي حتى يكون واعيًا مدركًا لمصلحة بلاده العليا، بالذات حماية مقومات الأمن والسلام الاجتماعي.