د. محمد بن صقر
على الرغم من بداية اشتعال فتيل الصراع والحرب بين روسيا وأوكرانيا ودول الغرب الداعمة للموقف الروسي والتي لم تبدأ بعد بشكل مباشر إلا أن هناك حرباً كسب الرأي العام وحشد الجماهير، فهل تستطيع روسيا تشكيل رأي الجماهير؟ وهل هناك أدوات تسهم في بناء ذلك؟ إن الإجابة تحتاج إلى نوع من التفصيل. فالمكينة الإعلامية الروسية ما زالت في بدايتها ولكن لها تاريخ في الترويج للمحتوى المثير والادعاءات المشكوك فيها التي تصور أوكرانيا بشكل سلبي. إن قوة الكلمات مرتبطة بالصور التي تثيرها، وهي مستقلة تماماً عن معانيها الحقيقية. والكلمات التي يصعب تحديد معانيها بشكل دقيق هي التي تمتلك أحياناً أكبر قدرة على التأثير والفعل، ولعل بالمثال يتضح المقال، فقصة الصبي المصلوب التي أثارتها روسيا ضد أوكرانيا أحد الأمثلة التي تم الاستشهاد بها على نطاق واسع في عام 2014، واستخدم الإعلام الروسي التكرار لهذا الحادثة التي تظهر لاجئة تدعي أن القوات الأوكرانية أعدمت صبيا في الثالثة من عمره، وتصوير العدو بالوحشية الدائمة والخطر للأمن الروسي. كما قامت المكينة الإعلامية بنشر مقطع يُظهر مهاجرين يُطلق عليهم النار من قبل القوات الأوكرانية على الحدود مع بيلاروسيا. كما ذكر كير جايلز، الخبير في شؤون روسيا، والذي كتب تقرير الناتو عن حرب المعلومات، يقول إن روسيا «تسارع دائما في توصيف خصومها وضحاياها في أوروبا بالنازيين».
ويضيف: «لقد رأينا هذا ليس فقط في أوكرانيا، ولكن أيضا في تشويه روسيا لسمعة دول البلطيق». فاستخدام وسائل الإعلام الحكومية الروسية عناوين حول الدعم الدولي لأوكرانيا استنادا فقط إلى تعليقات المستخدمين على مواقع وسائل الإعلام الغربية. أحد الأساليب لحشد التعبئة الجماهيرية للشعب الروسي وفي بعض المقالات على الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء الحكومية «ريا نوفوستي» بينت أن القراء «البريطانيين» لصحيفة ديلي إكسبريس أيدوا وجهة النظر القائلة بأنه لا ينبغي الدفاع عن أوكرانيا، لأن روسيا لديها وجود عسكري أقوى في المنطقة من حلف الناتو. كما جاء في مقال آخر أن القراء سخروا من الإمكانات العسكرية لأوكرانيا. كما وجدت الأبحاث التي أجراها معهد أبحاث الجريمة والأمن بجامعة كارديف العام الماضي أن أقسام التعليقات في 32 موقعا إعلاميا بارزا في 16 دولة، بما في ذلك موقع صحيفة ديلي إكسبريس البريطانية، استُهدفت من قبل المؤيدين للكرملين. ووفقا للباحثين، استخدمت التعليقات المعادية للغرب والمؤيدة لروسيا كأساس للقصص الإخبارية في وسائل الإعلام الناطقة باللغة الروسية. كما تم استخدام الأصوات الغربية للمبالغة في الدعم لروسيا فقد زاد على الحسابات التي تنشر الدعاية الموالية لروسيا بشكل كبير، ووفقا لبحث من مجموعة مكافحة التضليل الإعلامي ميثوس لابس Mythos Labs. كانت هذه الحسابات تغرد عن أوكرانيا بمعدل 213 مرة في اليوم، في المتوسط. وكان أحد التكتيكات - كما لاحظ الباحثون - هو مشاركة مواد من أصوات غير روسية بآراء تتماشى مع موقف موسكو. من بين أولئك الذين جرت مشاركة آرائهم الصحفي الأسترالي جون بيلجر، الذي اتهم الولايات المتحدة في تغريده حديثة بإسقاط الحكومة المنتخبة في أوكرانيا في عام 2014. أعيد نشر التغريد من خلال 87 حسابا حددها الباحثون على أنها حسابات نشرت دعاية مؤيدة لروسيا حول أوكرانيا. وبحسب مقال لتوماس كينت، الأستاذ المساعد في كلية الشؤون الدولية والعامة، والمتخصص في المعلومات المضللة ووسائل الإعلام الروسية بين أن الكرملين ليس لديه خيارات للمعلومات. يمكنها تكييف موضوعات الدعاية القديمة مع الأزمة الحالية. لسنوات، حيث بينت موسكو أن الولايات المتحدة تحاول دفع حلفائها إلى الحرب مع روسيا وأن أوكرانيا دولة فاسدة وفاشلة ؛ وأن الدول الغربية خائفة ومشتتة في وجه القوة العسكرية الروسية الساحقة. وعرضت قنوات الدعاية مجموعةمن الادعاءات حول أوكرانيا وفقًا لهذه الخطوط وأن الناتو يحشد قواته على طول حدود روسيا وأن رئيس أوكرانيا قد تحول «من صانع سلام إلى مسبب للحرب»؛ وأن الجيش الروسي لا يهزم. هذه الأساليب نجد نتائجها في كسب الرأي العام الروسي حسب الاستطلاعات ففي حين أن الكثير من الغرب ينظر إلى الأزمة الأمنية الحالية على أنها نتيجة لعمليات الانتشار العسكري الروسي والفشل في المشاركة بشكل هادف في الجهود الدبلوماسية الأخيرة فإن الروس ينظرون إلى مسار الأحداث بشكل مختلف فبحسب استطلاع مركز ليفادا يعتقد نصف (50 في المائة) من شملهم الاستطلاع أن الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى بدأت في تفاقم الوضع في شرق أوكرانيا. يعتقد 16 في المائة آخرون أن أوكرانيا كانت البادئ. في غضون ذلك وتفسير هذا الاستطلاع قد يبين نجاح أدوات الدعاية الروسية للسيطرة على السرد وقدرتها على تعبئة الجمهور الروسي.