م. خالد إبراهيم الحجي
أثارت تصريحات الرئيس الروسي بوتين، التي أدلى بها في 18 أكتوبر 2018 في منتدى دولي للسياسة، صدمة لخبراء الحد من التسلّح الذين كانوا قلقين من أن حالة العلاقات الأمريكية الروسية زادت من مخاطر التبادل النووي، عندما حملت صيغة التصريح الذي أدلى به، من منصة المنتدى، أخطر إشارة له عن السلاح النووي الروسي على الإطلاق، حيث قال: «ليس لدينا في عقيدتنا العسكرية مفهوم الضربة الاستباقية، عقيدتنا هي الرد على الضربة الهجومية؛ هذا يعني أننا سنستعمل الأسلحة النووية عندما نتأكد بأن العدو المحتمل قد وجه ضربة باتجاه روسيا، وليس سراً أنّ منظومتنا الدفاعية المتطورة جداً للإنذار المبكر، لأي هجوم صاروخي، قادرة على أن تكشف لحظة إطلاق الصواريخ من أي نقطة في العالم، وأن تحدد مساراتها والأماكن التي تستهدفها. وعندما نتأكد، في خلال بضعة ثوان، من أنّ هذه الصواريخ سوف تستهدف الأراضي الروسية، عندها فقط سنقوم بالرد، وهذا يسمى رداً على ضربة هجومية، طبعاً يترتب على هذا الرد النووي كارثة كبرى، ولكني أكرر أن روسيا لن تكون البادئة بهذا الأمر؛ لأنه ليس لدينا عقيدة الضربة الاستباقية، طبعاً الأمر سيبدو وكأننا موافقين على تلقي الضربة الأولى. ولكن على المعتدي أن يعلم أنّ الانتقام آت لا محالة، وأننا سنقوم بتدميره أيضاً، ونحن سنكون ضحايا الاعتداء؛ ولأننا شهداء سيكون مثوانا الجنة، أما المعتدون فسوف يحترقون بنار جهنم، حتى أنهم لن يكون لديهم الوقت لتلاوة ترانيم الندامة». وتصريح بوتين خلال المنتدى هو تعبير عن النظرية المعروفة باسم «ماد» وتعني «التدمير المؤكد المتبادل بين الدولتين النوويتين» وبالتالي، سيعمل هاجس الانتقام النووي الفوري على ردع أي دولة نووية من استعمال أسلحتها النووية لمهاجمة دولة نووية أخرى.. وقد بدت تعليقات الرئيس بوتين على أنها رد على وثيقة «مراجعة الموقف النووي» الأمريكية الجديدة، وهي وثيقة تخطيط لوزارة الدفاع الأمريكية صدرت خلال شهر فبراير 2018، وتحدد المعايير الخاصة بالوقت الذي ستستخدم فيه واشنطن الأسلحة النووية، والمراجعة إلى تجديد الترسانة الأمريكية، وتطوير أسلحة ذرية جديدة منخفضة القوة، كما سلطت الوثيقة الضوء على العقيدة الروسية التي يقول الخبراء إنها موجودة منذ الحرب الباردة.. ويرى الخبراء العسكريون أنّ تصريح بوتين يُعدّ إشارة منه بعدم اللجوء إلى الأسلحة النووية.. وما قاله عن العقيدة العسكرية،من منصة المنتدى، هو لغرض «التصعيد من أجل التهدئة» فقط، وهذا التصعيد هو بالفعل ما نشاهده على أرض الواقع خلال الأزمة الأوكرانية، فبالإضافة إلى حشد ما يقرب من 140 ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا، قام الجيش الروسي يوم السبت الموافق 19 فبراير 2020 بإجراء مناورات نووية لأنظمة الصواريخ البالستية العابرة للقارات.. وبناءً على ما سبق صرح زعماء دول الناتو أن روسيا إذا ما قامت بغزو أوكرانيا، واحتلالها، سيتم تطبيق حزمة قاسية من العقوبات المالية والاقتصادية عليها. وهو ما تنفيه القيادة الروسية، وتقول إن الحشود العسكرية الموجودة قبالة الحدود الأوكرانية هي جزء من المناورات العسكرية التي يجريها الجيش الروسي داخل الأراضي الروسية، وأنّ تصريحات زعماء الناتو عن نية روسيا غزو أوكرانيا محض ادعاءات مزيَّفة.. إنّ إنكار موسكو لوجود نية الغزو لأوكرانيا يمنحها خيارين، الأول: الوقت الكافي لتقدير حجم العقوبات المالية والاقتصادية التي لوح بها الناتو، ومدى قسوتها وتأثيرها على الاستقرار الداخلي في روسيا، وعلى رأسها استبعاد روسيا من النظام المالي الدولي «سويفت» الذي يترتب عليه حدوث شلل في جميع الأنشطة التي تستعمل الدولار في تعاملاتها، وأهمها الاستيراد والتصدير، وقطاع النفط الذي يُعدّ العمود الفقري للاقتصاد الروسي، والتحويلات البنكية الدولية للأفراد.. والخيار الثاني: إنكار موسكو لوجود نيَّة الغزو لأوكرانيا لا يعني بالضرورة عدم الغزو، إذ إنه سيناريو مألوف في الأعراف العسكرية يتم استعماله قبل شن أي هجوم عسكري، لتحقيق مبدأ المفاجأة، وكسب زمام المبادرة للمهاجم..
الخلاصة:
إنّ التفاوض من مركز القوة هو النهاية الحتمية للأزمة الأوكرانية وتداعياتها..