خالد بن حمد المالك
لم يأت وصف المملكة بأنها دولة عُظمى من فراغ، ولم يُخطئ من يتبنى هذا الوصف، أو كان له السبق في إطلاقه، فقد كان هناك تناغم وتوافق وانسجام بين الوصف والموصوف، وفقًا لمعاييرها وأسبابها وواقعيتها، وفي المقابل ارتياح المواطن واستمزاجه لهذا الوصف، ومباهاته به، وحرصه على أن يكون وطنه كبيرًا وعظيمًا وقويًا ومؤثِّرًا في كل الساحات المحلية والخارجية.
* *
فالمملكة لم تكن دولة طارئة، أو بلدًا هامشيًا، ولم تكن حديثة التأسيس، غارقة بكل ما يبعدها عن عظمتها من أسباب، أو يستكثر عليها وسمها بالدولة العظيمة في ماضيها وحاضرها، وكما ستكون عليه في المستقبل، فأينما تفتش عن عظمتها ستجدها واضحة وضوح الشمس، ناصعة كما هو اللون الأبيض، خضراء تسر الناظرين مثلما هو علمها الأخضر.
* *
بدأت هذه العظمة تتشكَّل بدءًا من تأسيس الدولة السعودية الأولى وعاصمتها الدرعية في شهر فبراير من عام 1727م، وتحديدًا الثاني والعشرين من شهر فبراير من ذلك العام بقيادة الإمام محمد بن سعود، مرورًا بالدولة السعودية الثانية في عهد الإمام تركي بن عبدالله عام 1824م، فالدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1902م باسم المملكة العربية السعودية وعاصمتها الرياض.
* *
مسيرة طويلة، لدولة عظمى، يمتد عمرها إلى نحو ثلاثمائة عام، مسجلة تاريخًا حافلاً، وأمجادًا لا تُبارى، وسنوات عطاء لم تتوقف، ودورًا بارزًا مؤثِّرًا في كل مناحي الحياة الداخلية والخارجية بما لا مثيل له، في بطولاته، وقصص نجاحه، وحكمة أئمته وملوكه على امتداد هذه الدولة العظمى.
* *
وأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يومًا للتأسيس، وهو الأب الملهم بتاريخ المملكة، الحريص على توثيقه، الشغوف بقراءته ومراجعته والحديث عنه، إنما يؤكِّد بهذا الأمر السامي الكريم على أننا لم ننس ولن ننسى تاريخنا، وأمجاد قادتنا، وهذه الوحدة التاريخية النادرة في قواميس غيرها، التي تمتد مساحتها إلى ما يشبه القارة، متمتعة بكل أسباب الرخاء والأمن والاستقرار، واستمرار الإنجازات من إمام لآخر، ومن ملك إلى ملك، وتأييد وولاء من هذا الشعب.
* *
اليوم نحتفل بذكرى التأسيس لأول مرة في تاريخ المملكة، احتفالاً غير مسبوق في الترتيبات المعدة له، كي يكون احتفالاً بحجم أهمية المناسبة، احتفالاً يليق بدولة عُظمى هي المملكة، واحتفالاً يذكِّر العالم بأن هذه الدولة سبقت قيام الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول في التأسيس، وأن هذه البلاد -بفضل قادتها ودعم شعبها- تمكّنت من تحويل هذه الصحراء مترامية الأطراف إلى درة لافتة ومثيرة في مساحتها ومدنها، وأينما وقع النظر على كل شبر فيها.
* *
في عهد سلمان كما كان عهد الملك عبدالعزيز ومن بعده أبناؤه البررة ملوك المملكة العربية السعودية، لا يمكن للعين أن تخطئ النظر إلى هذا التطوير، ولا أن يغيب نظر المشاهد عن هذه الإنجازات العظيمة، ولا يمكن للمنصف أن يكون غير مبهور بما يراه ويشاهده ويستمتع به في هذه البلاد، فنحن نتحدث عن دولة عُظمى، عن دولة قوية، عن دولة متطورة، في يوم تأسيسها، في ذكرى قيامها، نتحدث عن ثلاث دول لا يفصل بينها إلا سنوات معدودة، وسقوط أي واحدة فيها، لا يعني التسليم، أو الرضوخ للأمر الواقع كما يقولون، بل إن التصميم والإرادة والشجاعة والحكمة، كانت هي سيدة الموقف، فلا تفريط، ولا انهزامية، وها هي المملكة العربية السعودية تتبوأ مكانتها كدولة عظمى، ضمن دول مجموعة العشرين الأقوى والمؤثِّرة في العالم، رغم كل التحديات التي واجهتها.