أ.د.عثمان بن صالح العامر
لم يأت هذا الوصف (العظمى) من فراغ، فالمملكة العربية السعودية اليوم تلج نادي الكبار بقوة وثقة، وتسابق الدول العشرين فضلاً عن غيرها من دول العالم في ميادين الاقتصاد والسياسة والتقنية والفكر والعلم والترسانة العسكرية والقوة الأمنية. ولم يكن لذلك أن يكون لولا توفيق الله عز وجل أولاً ثم وجود قيادة حكيمة حليمة، عازمة حازمة، بصيرة متبصرة، ومن خلفها شعب وفي متراص اللبنات، متكاتف الجهود، تواق للمجد، يهوى الصعب، ويغازل المستحيلات، ورابعها توافر مكونات عدة أسست لهذا الكيان، ورسخت قواعده، وثبتت أركانه منذ ثلاثة قرون ولا زالت، فمع المكون العقدي السلفي الوسطي المعتدل (الأيديولوجي) هناك المكون السياسي، (كاريزما الحكم) لولاة أمرنا (آل سعود) منذ لحظة التأسيس وحتى تاريخه، والمكون الشعبي (حاضرة وبادية)، والجغرافي (براً وبحراً وجواً)، والقيمي، والاقتصادي، والإعلامي، ومن أهمها (المكون التاريخي). فالتاريخ كما يقول عنه ابن خلدون في مقدمته: (... فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا..).
ويقول «ابن الأثير» -رحمه الله- في معرض رده على من يحاول إنكار أهمية التاريخ ودوره فيقول: (...ولقد رأيت جماعة ممن يدّعي المعرفة والدراية، ويظن بنفسه التبحر والعلم والرواية، يحتقر التواريخ ويزدريها، ويعرض عنها ويلغيها، ظناً منه أن غاية فائدتها إنما هو القصص والأخبار، ونهاية معرفتها الأحاديث والأسمار، وهذه حال من اقتصر على القشر دون اللب نظره... ومن رزقه الله طبعاً سليماً وهداه صراطاً مستقيماً علم أن فوائدها كثيرة، ومنافعها الدنيوية والأخروية جمة غزيرة).
إن النظرة الموضوعية للتاريخ -بشكل عام- تؤكد أنه من غير الممكن تجاهل أثره باعتباره مكوناً أساساً من مكونات الأوطان وركيزة هامة للدول والأقطار، ولذا صدر يوم الخميس 24-6-1443هـ أمر مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز اعتبار هذا اليوم (22 فبراير) يوم التأسيس إجازة رسمية، للاحتفاء بتأسيس الدولة السعودية، باسم «يوم التأسيس». وفي هذا القرار بيان للعمق التاريخي لهذا الكيان العظيم الشامخ المملكة العربية السعودية، حيث كانت بداية عهد الإمام محمد بن سعود الذي أسس (السعودية) في 22 فبراير 1727م، 30 جمادى الأولى من عام 1139هـ، وهي كما أعلن عنها الإمام حينها بأنها: (دولة إسلامية، دستورها القرآن، وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم).
والاهتمام بهذا التاريخ (يوم التأسيس)، والتأكيد عليه وترسيخه في الذهنية السعودية من لدن مقام مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (رجل التاريخ ورمز الوفاء) وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين (عنوان الطموح، وأنموذج التطوير والبناء لهذا الكيان العزيز) هو من باب الوفاء لكل رجل شارك في مرحلة التأسيس من أول يوم، وبذل نفسه رخيصة في سبيل ذلك.
هذا الأمر الملكي الكريم يؤرِّخ لهذه الدولة ميلادها الحقيقي منذ تولي الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية، ويثبت التضحيات التي بُذلت منذ الأيام الأولى للإمام ومَن معه من الرجال في سبيل إقامة الدولة السعودية الأولى والمحافظة عليها قويةً راسخةَ الأركان في ظل تحديات وصعوبات عدة أفاض في ذكرها، وتحدث عنها، وسجل أحداثها وتفاصيل أيامها، المؤرِّخون الأعلام، والباحثون الأفذاذ أهل الاختصاص، سواء أكان ذلك من خلال أبحاث الدارة ومطبوعاتها، أو في ندوات الجامعات ومؤتمراتها، وقاعاتها الدراسية، وكتبها الجامعية.. حفظ الله هذا الكيان، وأمد في عمره، وأدام لنا قادتنا ورموزنا الوطنية وعلماءنا الربانيين وجنودنا البواسل وشعبنا الأبي ودمت عزيزًا يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.