عدت وابتهجت ومررت بقراءة القطعة الأدبية الرائعة التأبينية بروائع الأدب العربي، وكأنها قطعة من كتابات من ذكرهم وأشاد بهم في مقاله الرثائي العاطفي أمثال الدكاترة سهير القلماوي، طه حسين، زكي مبارك، المنفلوطي وغيرهم، وهو أخي وصديقي الغالي جدًا أبي زهير سليمان الجاسر الحربش في المقال الرثائي الذي سطره في صحيفتنا العزيزة (الجزيرة) الرائدة يوم الخميس بتاريخ 16 رجب 1443هـ الموافق 17 فبراير 2022م في رثاء فقيد الجميع وأخ الجميع وصديق الكل الرجل الكبير في تواضعه، وكرمه، وحسن أخلاقه، وتعامله مع الكبير والصغير، الأستاذ الأديب المرحوم بإذن الله محمد العبد الرحمن الفريح عميد الأسرة وحبيبها. أقول إن هذا المقال الرثائي نبهني إلى واجبي ومسؤوليتي تجاه أخي الأكبر وصديقي الغالي الحبيب وصاحب الفضل بعد الله عز وجل المرحوم الشيخ الفريح، ولقد بدأت علاقتي به منذ الصغر في عنيزة، عندما التحقنا في مدرسة عنيزة الحكومية التي افتتحتها المعارف عام 1356 وكان أسبق منا حيث كان يدرس في مدرسة مربي الأجيال المرحوم الأستاذ صالح بن ناصر الصالح الأهلية، التي انضمت بأساتذتها وطلابها إلى المدرسة الحكومية وكان المرحوم أرفع منا حيث صنف بالصف الثالث السابق دراسته، وعندما أكمل الصف الرابع ، وكان يتيم الأب سافر إلى مكة المكرمة عند عمه المرحوم صالح الفريح، والتحق بالمعهد العلمي السعودي وأخذ شهادته وابتعث إلى القاهرة للدراسة في كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وتخرج منها بدرجة عالية وكان وقتها أبا وأخا لكل الطلاب السعوديين يعطف عليهم ويساعدهم ويصادق من هو في سنه، و يحنو على صغارهم، وكأنه يقوم بعمل وبدور الملحق الثقافي، وعندما عاد إلى المملكة التحق بوزارة المعارف، فترة من الزمن، ثم عين ملحقًا ثقافيًا في لبنان، ثم انتقل ملحقًا ثقافيًا في القاهرة، وأقول بكل ثقة ومعرفة بأنه كان أبا ومرشدًا للطلاب السعوديين في كل من لبنان ومصر، ثم عاد إلى المملكة وعين مديرًا عامًا لوزارة التعليم في الوزارة.
وهنا تبدأ علاقتي العملية به، كنت وقتها مديرًا لمعهد المعلمين، فطلبني وعرض علي عملين مدير عام المستودعات ومدير التعليم في نجد فاخترت التعليم وأمضيت فيها سنوات ثم انتقلت إلى جامعة الملك سعود.
المرحلة الثانية والمهمة في علاقتنا، أنه أصدر قرارا بأن يسمح بكل من أمضى ست سنوات في الابتدائية يحق له دخول امتحان المعهد العلمي السعودي، ولما لم أكن أحمل الابتدائية، ذهبت إليه وقلت يا أبا عبد الرحمن أنا مدير عام أكبر منطقة تعليمية وفيها مئات المدارس ابتدائية وثانوية ومعاهد وأشرف على آلاف المدرسين ممن يحمل بعضهم الدكتوراه، ومع ذلك أحرم من دخول هذا الامتحان وقد تحمس وكتب خطابًا بخط يده موجها إلى مدير التعليم في نجد بأنه يسمح لفلان بدخول الامتحان وأخذه بيده ووقعه من معالي المرحوم الشيخ عبدالوهاب عبدالواسع وكيل الوزارة وثم وقعه من معالي الوزير، ودخلت الامتحان ونجحت بفضل الله ثم بموقفه الشجاع.
والتحقت بالجامعة وتخرجت منها، هو قد استقال من الوزارة، وتفرغ لعمله التجاري والثقافي.
وظلت علاقتنا مستمرة وقوية، وكان تأثيره قويًا على كل من تعامل معه، فتح ديوانيته مرتين في الأسبوع ثم حولها إلى خميسية يجتمع فيها أصدقاؤه ومحبوه، كان يحضر اليها شبه أسبوعي كل من الوزراء محمد أبا الخيل، القريشي، محمد الفايز، خالد القصيبي، سليمان الحميد، تركي السديري، وغيرهم عشرات من محبيه والمثقفين واستمرت هذه الخميسية سنوات طوال حتى جاءت الجائحة، وخوفا من العدوى أوقف الخميسية في السنتين الأخيرتين من حياته، كان صحيح البدن قليل الأمراض لكنه قبل وفاته بثلاثة أيام تعرض لمرض أقعده الفراش حتى صعدت روحه الطاهرة إلى رب كريم عطوف رحيم، رحمه الله رحمة واسعة، وأحسن عزاء أصدقائه ومحبيه وعارفي کرمه وإحسانه وأنا واحد منهم، أشهد انه يمد المساعدة لكثير من المحتاجين وأعلم ذلك وربما بعضها بواسطتي ممن لا يعرفهم وكذلك مساعدته للجمعيات الخيرية بكل من الرياض وعنيزة، أقول كلمة أخيرة: لقد كان فقده صعباً جداً على أصدقائه ومحبيه فكيف لا يكون صعباً جداً على رفيقة دربه وزوجته العزيزة أميرة الفوزان السابق وعلى ابنه العزيز الغالي عبد الرحمن، جعله الله خير خلف لخير سلف.
وأيام العزاء الطوال كان محمد يتصرف بكل حكمة ورجولة وكرم نفس مما يجعله خليفة جيدة ومناسبة لوالده المرحوم و إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ، والموت والحياة بيد الله عز وجل.
وعزاؤنا لاخوته وأصدقائه المحبين ويجعل الخير والبركة بابنه الشجاع المتألق.
والحمد لله على كل حال.
** **
- بقلم: عبد الله العلي النعيم