محمد بن عبدالله آل شملان
لم يكن الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن والإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود والملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - رحمهم الله - قادة ومربين وموجهين ومؤسسين لدولتهم السعودية بمراحلها الثلاث فقط، بل كانوا رجالاً فتح لهم التاريخ الباب على مصراعيه، ليدخلوا منه في ثقة متفردة إلى كل صفحاته، بل إلى كل سطوره وكلماته.
إن كل ذرّة رمل من رمال الجزيرة تلهج بمجدهم فخراً واعتزازاً، وإن كل قطرة ماء من حول الجزيرة لتغبط أهلها على هذه الهبة الإلهية الكريمة التي أسست للدين قبل الدنيا، وجمعت بين هذه وتلك بالعمل الموجه الواثق القائم على الصدق والخلق، صدق الرجال، وخلق الملوك.
ولا يزالون يخطرون بيننا هنا وهناك، نراهم في كل لحظة أمن وأمان، ونلحظهم في كل حالة طمأنينة واستقرار، ونلمحهم في كل جانب حضاري وعمراني، وقبل ذلك كله نجدهم شامخين في كل صوت مئذنة، وفي لافتات كل مدرسة.
لا يزالون بيننا، آباء وقادة ومعلمين، ملوكاً حكاماً، وستبقى قلوب أبناء الوطن تنبض بذكراهم، وستظل ألسنتنا تلهج بذكرهم شاكرة ومقدرة، معتزة ومفتخرة، كيف لا، وهم مؤسسو مراحل هذا الوطن، ومورثو المجد؟ كيف لا وهم الذين حفظت النجوم لمعان سنابك خيولهم عن ظهر قلب، ودونت الشمس في صدر رمال الجزيرة كل حبة عرق نزفتها تلك الجباه السمراء الشامخة.
الوطن بيت الشعر والقصيد
بالشعر تخلد الجمل والعبارات نفسها، فهو «ديوانها» الذي دائماً يرفد العربية بلغتها، والشعر ليس تراكيب مصفوفة بقدر ما هو مفتاح للأفئدة، بعضه من نسج الخيال والبعض الآخر حقيقة، وعلى ضفاف الشعر يقف الوطن، يتجلّى بكل جماله، صاحبَ الشعراء أمداً طويلاً ولا يزال، وسافر معهم في بحور الشعر، ومنحهم مساحة كبيرة تمكنهم من بث كلماتهم ومشاعرهم في الفضاء، فكان لهم بيتاً، سكن على ضفاف حب الوطن وعشقه والهيام فيه.
منذ سنواته الأولى، أبدى وطننا اهتماماً واسعاً بالكلمة والجملة الشعرية والقصيدة، والشعراء الذين خرجوا من بين ثنايا التقدير والإجلال، يلقون قصائدهم التي تم تعليق بعضها على الجدران، حتى أصبحت بمنزلة أيقونات يحفظها الناس ويوثقونها في ذاكرة عقولهم المقدرة المحبة لمؤسسي هذا الوطن وقيادته الرشيدة.
ترعرع الفخر والإعجاب في أحضان المواطنين، بفضل ركائز القيادة والعمل والعطاء والتطور والاستقرار.
وعلى وقع ذلك الفخر والإعجاب تهادت «سيرة آل سعود» فاتحة الآفاق واسعة أمام مخيلة الشعراء، الذين عبروا عن حبهم وشغفهم بتلك الأسرة المباركة التي ضربت المثل في الشجاعة والبطولة والفداء وإرادة التميز والتفوق في جميع المجالات.
وثيقة وطنية موجزة
ليس هناك أبلغ وأجمل من الشعر، وهو ينصب متلألئاً من قريحة الشاعر ضاري، ليتحدث عن قصة تأسيس المملكة العربية السعودية من مانع المريدي (جد أسرة آل سعود) مروراً بالدول السعودية الثلاث حتى عصرنا الحالي، فيصف ويسرد مناقب وفِعال أسرة جسورة وحكيمة، مبدأها العدل وشعارها الخير وعزة الوطن، ألا وهي أسرة آل سعود.
وهذا ما ظهر بالفعل وتجلّى بصورة زاهية مع هذه الرائعة الشعرية الوطنية، الموسومة بـ»سيرة آل سعود»، ذات الـ67 بيتاً، إذ سكب فيها أبهى الصور، وحسّنها بأفضل المعاني وجزالة الكلمات وأوضح الدلالات؛ ليروي فقرات من منهج ومنزلة الأسرة المباركة «أسرة آل سعود» التي تقف بعد عون الله تعالى وراء الأعمال الجليلة التي تحققت بصورة مذهلة في سنوات قليلة، وأقامت دولة قوية البناء، لها حضورها المتميز على الساحة العالمية في الميادين الدينية والسياسية والاقتصادية.
ما كتبه الشاعر ضاري - بحق وحقيقة - هو وثيقة وطنية موجزة عن تاريخ الدولة السعودية، أعطت لنا ولأجيالنا، هدية حضارية مهمة بالافتخار بمكنوننا التاريخي الحضاري العريق، وهي في الوقت نفسه معلومات تثقيفية فيها تاريخ وحب وانتماء وولاء والأهم نظرة للمستقبل.
ولقد تم تجسيد تلك الرائعة الشعرية عبر أوبريت غنائي جمع بين أجنحته مجموعة من عمالقة النجوم على الساحة الخليجية والعربية، وهم عبد المجيد عبد الله وراشد الماجد وحسين الجسمي، وماجد المهندس، ووليد الشامي، وتولى الملحن العراقي وليد الشامي صوغ جمله اللحنية.
وقد تداولت الكثير من المواقع والصحف والقنوات السعودية الأوبريت الغنائي في أخبارها وتقاريرها.
وطن متفرّد وقادة حقيقيون
يؤكّد الشاعر أن أرض المملكة هي أرض دين وحضارة، من أيام العصر الجاهلي وحتى وقتنا الحاضر، وأن حاضرها تفاخر به المملكة كما هو حال ماضيها العريق، وفي سيرة آل سعود المجد والإثارة بفضل تأثير هذه الأسرة في ربوعها من الإنجازات القيمة والتقدم الباهر، موضحاً الشاعر أن هذه الدولة قامت على الإيمان الراسخ والعقيدة الصافية والتمسك بالكتاب والسنة التي أضفت لهذه الأسرة الهيبة والعزة والإجلال، فلا يمكن أن تُهزم مهما كان، كما قدّم شاعرنا في أبيات القصيدة تحيته البالغة لهذه الأسرة التي ترجمت نواياها إلى أعمال ظاهرة للعيان، حكمت فأحسنت وقادت فأتقنت.
لقد آمن الشاعر «ضاري» بالمثل الصيني الذي يقول: «يبرز الأبطال في أيام الشدة والمصاعب»، والآخر الذي يقول: «الظروف الصعبة تهيئ لظهور الأبطال»، ولذلك تحدث في ملحمته تلك عن الأمير مانع بن ربيعة المريدي والإمام محمد بن سعود والأمير تركي بن عبدالله والملك عبدالعزيز - رحمهم الله - بصفتهم العباقرة العمالقة، الذين استطاعوا أن يغيروا مجرى التطور التاريخي للبشرية، أو بتعبير آخر أصحّ وجّهوا التطور التاريخي إلى مجراه الطبيعي الصحيح بعد أن وجدوا أنه قد انحرف عنه، ولم يكن يتوافق مع مصالح البشرية. فقدموا لوطنهم خدمات جليلة بجهودهم الجبارة التي لم تعرف الكلل والملل، وآثروا في تطور المجتمعات البشرية وتقدمها نحو الغاية المنشودة، وسجلوا مآثر عظيمة في السجل التاريخي المفعم بالأشراف الباقية والأمجاد الخالدة.
إن هذه الملحمة الشعرية لَهي عابقة برائحة المحبة والتقدير وطيب الأقحوان والخزامى.. ونابضة بفيض وعطر الاعتراف بالفضل والجميل التي هي سمة لأصحاب النفوس السامية، الذين يحبون الوطن قادة كباراً.
خاتمة بصوت الفخر العهد والوعد
وظهرت خاتمة هذه القصيدة الجميلة للشاعر ضاري، فواحة برائحة المحبة والتقدير وطيب الأقحوان والخزامى، حين يفيض القلب بعطر الوفاء والحب، فالملك سلمان، كما يقول الشاعر، تفاصيل الفخر وهو اختصاره، وهو العادل في كل الأحوال، والمتصدر المشهد بالأفعال وليست بالأقوال، كما شبّه الأمير محمد بن سلمان بجده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، ولقبه الذي كان يتسمى به في حياته وهو لقب «معزي»، ووصفه بمهندس التغيير في الفكر والمهارة، وبأنه سليل ملك ونسل شيخة وإمارة.
وبعد، فإنّ هذه القصيدة هي ثمرة المحبة الكبيرة والثابتة بين المواطن والقيادة الرشيدة، وهي التي أوصلت إلى منصة تقدير الدور، وحب الوطن هو الذي فتح شعلة القريحة ليقدم الشاعر «ضاري» رائعته الشعرية، والتقدير هو الذي فجَّر طاقة المشاعر والأحاسيس ليعمل في الساحة الشعرية والإعلامية بهذا الانسجام والمواقف والحجج الدامغة وهذه الحرقة اللذيذة على مسار الخطوط الوطنية الخضراء في عصر الرؤية وزمن التحول الوطني، لمصلحة الوطن وإعلاء شأنه.
فطوبى للوطن بمؤسسيه، الذين أسسوا وطنهم على قواعد متينة راسخة العماد ومؤثلة الأمجاد ومرفوعة الأسوار ومنصوبة الجسور وعميقة التحضّر، وطوبى لنا بقيادتنا الرشيدة التي سارت بالوطن بالنهضة الشاملة المتوازنة التي تجمع بين التمسّك بالثوابت الإسلامية والانفتاح الراشد المتعقل على معطيات الحضارة الحديثة، وطوبى للشعر بشاعره المبدع المجيد، وطوبى للطاعة والعشق والانتماء أساساً لإعمار الوطن وتقدمه وازدهاره:
حنا على الطاعة ورهن الاشاره
نموت ما نطري الخيانه على البال
وانتم لهذا الدين صدر وصداره
واجيال تعطي راية الحق لاجيال
نص القصيدة
الأرض هذي أرض دين وحضاره
من يوم كانت جاهليّه وجِهّال
وأرض النبي وأصحابه واهل داره
صلى محمد فوقها واذّنْ بلال
يزيد حاضرها المشرّف نضاره
عريق ماضيها الذي فيه تختال
وفي سيرة آل سعود مجد وإثاره
صارت على مرّ الزمن مضرب أمثال
الجد مانع فيه طيب وضفاره
من قلبه الدرعية سهال ورمال
إليا علوا ليل تغشى نهاره
تموج الأرض وكنّها فوق زلزال
وإليا رضوا سيلٍ يسوق البشاره
صدورهم وكفوفهم سمحة قْبال
الحرب لاجل الملك خاضوا غماره
لين استقام الميسم وشرها زال
ردّوا على الوادي الحنيفي ازدهاره
في ليلةٍ حلوة نِبا طيّبةَ فال
واختاروا التوحيد رغم المكاره
واضفى عليهم هيبه وعِزّ واجلال
وطن علم توحيد ربه شعاره
ما ينهزم لا والذي بالسما عال
لهم من الخاطر سلام بحراره
بيض النوايا ترجموها بالأعمال
محمد بن سعود كان اختياره
جمع العرب عقب التفرق والإهمال
يبي يلم الشمل عقب اندثاره
يبني لهم دوله وحال الذي حال
هذي حياته لين حان احتضاره
لولاه كان ايامهم سود وهزال
وعبدالعزيز اغتيل غدر وحقاره
في مسجده مثل عمر يوم يغتال
دسّ المجوسي خنجره في وزاره
واغتال رَجّالٍ عن الفين رجّال
وسعود دوّى بالحجاز انتصاره
رد الحسا بالسيف ما هو بالاموال
الراي رايه والحدب مستشاره
بين الحجاز ونجد بالسيف يجتال
وانشد عن الوالي وكيف انكساره
منصوب الاتراك الذي شاف الاهوال
تصدّوا لوالي العراق بجساره
بالمعركة وقفاتهم وقفة جبال
والشام واليها رجع وهو كاره
هو عارف بن سعود يفعل ليا قال
قِدْ ذاقوا الاتراك منا الخساره
في وادي الصفرا دما جيشهم سال
عبدالله بن سعود قاد بجداره
المعركه حتى وطا راس من عال
ويوم العدوّ حاضر وطوّل حصاره
صار العهد بس غدروا فيه الانذال
تعاونوا والغرب خلف الستاره
من كم سنة ما هو من أيام وليال
أقولها صدق بصريح العباره
لولا الغدر ما كان للترك مدخال
وتركي ولد عبدالله اللي بغاره
سبع سنين وهو مع الترك بقتال
الصبح غاره وآخر الليل غاره
بالسيف الاجرب رجلي ونوب خيال
لين انتصر عليهم ورد ثاره
تاريخ والتاريخ يكتب وينقال
عقبه رجع بمشاري وفك أساره
من حبس حمران العتاري والأغلال
ومن بعد ما جابه وأطلق هجاره
غدر به مشاري عقب ذيك الأفضال
وأخذ قضاه اللي براسه نعاره
فيصل وخلَّا جثته لأشهب اللال
وفيصل مثل تركي مسارِه مساره
أجيال تعطي راية الحكم لاجيال
زاد الحكم قوّه وزاد انتشاره
وهذي نتيجة همة وعزم الابطال
وعبدالله الفيصل ورغم المراره
وفاة أبوه وحكم همومه ثقال
ساس الامور بحكمته واقتداره
على خطى فيصل ودربه ولو طال
واليوم وحَّدْها الذي شب ناره
من مشعل الشرع وعن الشرع ما مال
عبدالعزيز وهذي أعظم ثماره
أمن وأمان بكل حلٍّ وترحال
في قوة الفاروق عدل وسطاره
قوة على الحق وعلى كل عيَّال
الحكم بالدرعية أحيا آثاره
بانت معالمها عقب ماهي أطلال
حقق لجده حلم طال انتظاره
أسس لهم دولة من الجال للجال
وجاء للعرب دولة بعزم وشطاره
من عقب ما بدر العرب عوّد هلال
يا لله عسى في جنة الله قراره
رد الحجاز وخلّف أمجاد ورجال
سعود ابو خيرين عمّر دياره
بين الدول خلى لها سعود منزال
بعده حَكَم فيصل وفيصل قراره
بالنفط خلّى الغرب يشعر بالاذلال
وخالد لكل الشعب ليَّن جواره
قلبه لشعب المملكه صار مدهال
غيثٍ همى في كل ديره وحاره
من وين ما وجّه على وادي سال
وفهد للامّه كان رمز ومناره
خيره على بلدان الإسلام همّال
يوم الغزو وقّف على شان جاره
ارخص لاجل جيرانه الروح والمال
ويوم المنامه شب فيها شراره
عبدالله انهت وقفته كل الاشكال
خدم حرم ربي وزاده عماره
عادل لو عقاله على الراس ميّال
وسلمان جرّ فيه لين ونزاره
يخاف منه المجرم ويا من الذال
هو نور نجد اللي ما يخفر ذماره
جاها وهي جت له على كل منوال
اسمه تفاصيل الفخر واختصاره
جميل فعله سيدي صعب ينطال
يوم اليمن شاف الجميع انهياره
تصدّر المشهد فِعِل ماهي اقوال
رد اليمن لاهله ورد اعتباره
لولا وقوفه كان حال اليمن حال
واليوم ابن سلمان يعلن خَياره
العدل ثم العدل في كل الأحوال
محمد محمد قرار وإداره
تعقد على محمد وشرواه الامال
حِرٍّ شهر وارض العروبه مداره
ودّه يظلّلها عن الشمس بظلال
سليل ملك ونسل شيخه واماره
ْعَرَّب الجدين والعم والخال
ملامح مْعَزِّي دهاه ووقاره
السيره السيره والافعال الأفعال
كنّه نفض عن قبر جده غباره
ولا هي غريبه تشبه الليث الاشبال
مهندس التغيير فكر ومهاره
عسى سموّه من بعيدين الآجال
صلى قبل حربه صلاة استخاره
على الفساد وشن حربه ولا زال
حنا على الطاعة ورهن الاشاره
نموت ما نطري الخيانه على البال
وانتم لهذا الدين صدر وصداره
واجيال تعطي راية الحق لاجيال