عمر إبراهيم الرشيد
عودة الحرب الباردة:
لم نعد عالم القطب الواحد كما كان حال العالم عليه قبل انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 م، ثم بدأ العالم يستيقظ على حقيقة وضع ذلك الاتحاد أواخر الثمانينيات، حتى تربعت الولايات المتحدة على قمة العالم إثر إنهاء ذلك الاتحاد، وبدء العولمة الاقتصادية وانهائها مع حلفائها احتلال العراق للكويت وغيرها من العوامل التي جعلت من أمريكا القوة والقطب الأوحد مؤقتاً كما تبين فيما بعد.
وحين تحشد روسيا اليوم قواتها عند حدودها مع أوكرانيا، وتجيش أمريكا ودول حلف الناتو العتاد والسلاح وتدعم أوكرانيا بشكل غير مسبوق، فإنها بذلك تدشن عودة الحرب الباردة، بل الساخنة ربما، وهذا إذا ما وقع بوتين أو (القيصر) كما يلقب في هذا الفخ الذي ينصبه له الحلف ليستفيد بذلك من عدة أوجه. أولها أن الحرب ستضعف نفوذ روسيا إقليمياً ودولياً لتنشغل بحربها مع أوكرانيا التي لن تكون وحيدة في هذه المواجهة، لأن دول حلف الناتو هبت لدعمها بالسلاح، وهي التي كانت في زمن مضى ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي زمن الحقبة الشيوعية. ثانياً سوف تستنزف هذه الحرب الاقتصاد الروسي الذي بدأ بالانتعاش إثر ارتفاع أسعار النفط وثبات الاتفاق الروسي مع دول منظمة أوبك وتحديداً المملكة لموازنة السوق وعدم إغراقه للحفاظ على سعر عادل لبرميل النفط. ثالثا فإن هذا التجييش والحشد العسكري سيرفع مبيعات الأسلحة أو يحافظ على معدل مبيعاتها على الأقل، ورابعاً سيشعل منطقة صراع ينشغل بها العالم عن صراعات وقضايا أقدم وأعقد، ولربما نرى (إسرائيل) وإيران الصفوية تنتهزان الفرص للعربدة في المنطقة لا قدر الله.
أنسنة المدن:
ما زلنا نتوق إلى رؤية مدننا وهي تخلع تدريجياً هذا الرداء الرمادي الشاحب، وتوقف زحفها أفقياً حتى يتسنى أنسنتها، أي أن يكون الإنسان هو المقصود الأول من تخطيط هذه المدن والبلدات بأحيائها وميادينها. وجميل أن نرى بوادر مبادرة السعودية الخضراء التي أطلقها سمو ولي العهد وقد بدأت بتشجير الشوارع ووقف زراعة النخيل في الطرق بعد أن استنزف الموارد عقوداً من الزمن، وهو الشجر العزيز الذي لا يحيى إلا في البساتين والمزارع والحدائق، لكن ما زال أمامنا الكثير لأنسنة مدننا وترويض زحف الأسواق والمطاعم والمقاهي ولجم هذا الاندفاع والشره الاستهلاكي. وقد كتبت هنا كما سطر غيري من زملاء القلم عن هذه المسألة، وأعيد بأنه حتى الأحياء القائمة حالياً فإنه يمكن أنسنتها بعد تشجيرها بالطبع، وذلك بالحد من تشعب شوارعها وطرقاتها وممراتها، وتقليل مداخلها لخلق شيء من الهدوء والأمان الاجتماعي، بل حتى المروري وخفض الضجيج. التخطيط لا يلزم ولا ينبغي قصره على الأحياء الجديدة، بل القديمة لها الحق كذلك في أنسنتها وإعادة روح الحي بمعناه الأساسي إليها، ويدرك من يزور الأحياء القديمة والطينية تحديداً، مدى الحس الاجتماعي والبيئي الذي كان يتمتع به أجدادنا على قلة مواردهم العلمية والمادية في زمانهم.
آفة اجتماعية خطيرة:
مصيبة أن يتصدر الرعاع المشهد ليفتوا في كل مابدا لهم، بل حتى في الدين وشعائره، ولا شك أن منصات الإعلام الاجتماعي هي من أعطى هؤلاء الفرص للظهور وقذف ما في بطونهم أمام الملأ والعالم بكل أسف.
تلك النماذج إنما هي شرارات لا تلبث أن تخبو سريعاً كما ظهرت سريعاً، فنحن في زمن الاهتمام بالشهرة وبسرعة وبأي ثمن إلا ما رحم ربي. يقول إبراهيم عبدالرحمن صديق عبدالله القصيمي بأن أقسى ما واجهه صاحب كتاب (هذه الأغلال) هو التجاهل، فقد شكل له ذلك سياطاً تجلده ليل نهار حتى مات معنوياً قبل موته جسدياً. وتلك الشرارات لو تركت ولم يرددها من ينقلها ويلعنها فيسبب لها الشهرة المجانية وهي غثاء سيل لما عرفت أصلاً، وقد قال عمر رضي الله عنه (أميتوا الباطل بالسكوت عنه!)، إلى اللقاء.