عبدالرحمن الحبيب
إن كنت تشعر بالهلع نتيجة فقدان هاتفك المحمول أو بالخوف من التواجد خارج نطاق تغطية الشبكة خشية عدم قدرتك على التواصل بالآخرين، فقد تكون مصاباً بنوع جديد من الرهاب أطلق عليه مرض «نوموفوبيا» اختصاراً لـ(no-mobile-phone phobia)؛ وهو الخوف أو القلق من أن تكون من دون هاتفك المحمول أو غير قادر على استخدامه. الكثيرون تعلقوا بالهاتف الذكي حتى أن الشخص يصاب بالهلع لمجرد التفكير بضياع هاتفه الذكي أو حتى نسيانه في المنزل، مما يعتبره بعض الخبراء بـ»الإدمان»، أي الرغبة الملحة بتفقد الهاتف الذكي في كل حين وآخر بلا حاجة أو ضرورة تذكر، بل لو كنت وسط جلسة ممتعة مع أصدقاء لم ترهم منذ زمان تجد نفسك لا شعوريا تمسك بهاتفك المحمول لتتفقد إن كان ثمة رسائل أو تعليقات أو ردود تتوقعها، أو حتى مجرد الاطمئنان أن جهازك بخير..
ربما العزاء الوحيد لك أنك لست وحدك المصاب بالنوموفوبيا بل يشاركك عشرات ملايين الأشخاص حول العالم، فقد أشارت دراسة أن 66 في المئة من مستخدمي الهواتف المحمولة في بريطانيا يعانون منه.. وأوضحت أنه ينتشر بين الشباب بصورة أكبر، وأن النساء صرن مهووسات بفقدان هواتفهن أكثر من الرجال (شركة سكيوريتي انفوي).
الهاتف أصبح ذكياً ولم يعد ذلك الهاتف المحمول الجوال الذي مهمته تلقي وإرسال المكالمات والرسائل.. بل صار به كافة المعلومات الضرورية لك وعنك من عناوين وأرقام وبديلاً عن بطاقتك الشخصية والائتمانية ويخبرك بدقات قلبك وضغط دمك وعدد خطواتك ومسافتها.. الخ، ويعطيك الأخبار والمعارف، وأنواع التسلية.. ويسهل لك كثيرا من مهام الحياة بما فيها مهام عملك وتخصصك.. إنه بمثابة عالم مكثف بين يديك.
كل ذلك رائع واستخدام الهواتف الذكية مفيد وليس إدماناً مَرَضياً، لكن المشكلة التي قد تحوله إلى إدمان أن «شركات الهواتف الذكية ومطوري التطبيقات يستعينون بعلماء سلوكيات وظيفتهم الأساسية هي إيجاد أفضل الطرق لجذب أنظارنا إلى الهواتف والتطبيقات المختلفة وإبقائنا منشغلين بها لأطول فترة ممكنة» حسب قول البروفيسور لاري روزين المتخصص في أثر التكنولوجيا على النفس، موضحا أن هناك عددا من «الخدع» والحيل التكنولوجية التي يلجأ إليها علماء السلوك، ويطورها التقنيون في التطبيقات لنقع فريسة الانشغال بهذه الهواتف مثل «التمرير اللا نهائي»؛ في فيسبوك (سابقاً) الذي يوفر التمرير المستمر بلا وجود أي نهاية للصفحة الرقمية ليستمر المستخدم بالتمرير في الصفحة والأخبار والمنشورات لأطول فترة ممكنة. هنا، تحدث «متلازمة الإفراط في الاتصال» عبر الهاتف المحمول وتقلص التفاعلات الاجتماعية وجهًا لوجه؛ يصاحبه «الإجهاد التقني» للفرد الذي يتجنب التفاعلات وجهًا لوجه من خلال الانخراط في العزلة بما في ذلك اضطرابات المزاج النفسي مثل الاكتئاب.
ورغم محاولات الشركات التكنولوجية المصنعة للهواتف الذكية لممارسة تلك الحيل والخدع إلا أنها تحاول أيضاً «إيجاد بعض الحلول» حسب الباحثة البريطانية في أخلاقيات التكنولوجيا نيل واتسون التي توضح أن «الضغوط التي واجهتها شركات الهواتف الذكية ومطورو التطبيقات أرغمتها على تحمل بعض المسؤولية بإدمان الناس عليها.. فالكثير من الهواتف الذكية والتطبيقات المختلفة تنبهك اليوم بأنك قد قضيت أكثر من ساعة أو ساعتين في تصفح هاتفك وتقترح عليك أخذ استراحة منها».
آنا باولا كورييا من جامعة أوهايو أوضحت أن هناك فارقًا بين الاستخدام العادي للهاتف الذكي الذي يساعدنا، كإجراء محادثة فيديو مع الأصدقاء عندما يتعذر عليك أن تكون معهم، أو استخدامه في العمل، أما الإفراط في استخدامه بشكل يتعارض مع حياة الشخص، فمن المرجح أن يسبب لصاحبه القلق عندما يكون بعيدًا عن هاتفه.
لكن ما هي أسباب القلق؟ تتفاوت الأسباب، هناك الشعور بالقلق من إمكانية فقد الأخبار والمعلومات إذا لم نطالع بعض الرسائل أو لم نتابع سلسلة رسائل وردت على إحدى المجموعات (القروبات).. هناك من يشعر بالذنب بسبب عدم القيام بالواجب إذا لم يرد على أي من هذه الرسائل بشكل فوري، خاصة الذي يتوقعون منه رداً فورياً من أصدقاء وأقارب وزملاء عمل.. أو القلق من ردودهم.. ومن المفارقات أن ثمة من يؤكد شعوره بالملل لكنه لا يستطيع التوقف خشية تفويت المطالعة أو نقد الآخرين.. بجانب ذلك هناك من يخشى تراكم الرسائل الفائتة وتحولها إلى عبء مشابه لجهد العمل الرسمي في البريد الإلكتروني..
ما الحل لمعالجة النوموفوبيا؟ لا تزال الدراسات والتجارب العلمية محدودة للغاية بسبب حداثة مفهوم النوموفوبيا؛ إلا أن ثمة توجه لممارسة العلاج النفسي السلوكي، فهناك العديد من التوصيات التي يطرحها أساتذة الطب النفسي مثل ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية، وعمل مقابلات اجتماعية وجهًا لوجه بدلًا من المقابلات الافتراضية، وعمل رحلات للطبيعة لمحاولة الاستمتاع بمعزل عن هواتفهم الذكية.. ومثل تقليل وقت استخدام الجهاز وتحديد ساعات أو أوقات ابتعاد عن الهاتف المحمول يمكن أن يبدأ بساعة ثم تزداد تدريجياً.. كذلك تحويل الجهاز على الوضع الصامت لتقليل الانتباه إليه في الأوقات المناسبة، ووضعه في غرفة أخرى وقت النوم.. لكن في الحالات الشديدة يكون العلاج بالأدوية التي هي أصلاً مصممة لعلاج اضطراب القلق الاجتماعي ومضادات الاكتئاب بالجرعات المعتادة وليس نوموفوبيا بشكل مباشر.