د. تنيضب الفايدي
عرفت المنطقة الشرقية بتاريخها الموغل في القدم، حيث وجدت دلائل تشعر إلى الاستيطان البشري في المنطقة من العصور الحجرية وتعددت المواقع التي وجدت بها تلك الدلائل، كما شهدت المنطقة والتي كانت تُعرف بالبحرين عدة حضارات ويدل على ذلك عدة مواقع بالمنطقة الشرقية مثل تاروت، دارين وجواثا، ودخلها الإسلام مبكراً، حيث إن مسجد جواثا من المساجد الأولى أسست في العام الأول الهجري، كما اشتهرت أسواقها ولاسيما سوق حجر، حيث بالأسواق الأخرى مثل سوق هجر وسوق عكاظ وسوق النطاة بخيبر وسوق دومة الجندل وسوق تيماء، كما ازدهر بها الأدب شعراً ونثراً، وما يوجد بالمنطقة يساهم مساهمة فاعلة في تنمية الوعي المتزايد بالآثار والاهتمام بها وضرورة المحافظة عليها.
واشتهرت المنطقة الشرقية بمواقع تاريخية شهيرة وبعض الجزر التي لها عمق تاريخي مثل: جزيرة تاروت وجزيرة دارين، حيث اشتهرت هذه الجزيرة ببيع العطور قديماً، كما اشتهرت ببيع اللؤلؤ والمرجان.
أما جزيرة تاروت فتقع شمال مدينة الدمام، وشرق مدينة القطيف التي تتصل بالجزيرة عبر طريقين رئيسيين، وتمتدّ هذه الجزيرة على طول ساحل خليج تاروت، من مدينة رأس تنورة في الجهة الشمالية، وحتى القطيف في الجهة الغربية، وتعرف باسم دارين نسبة لأحد المواقع بها واشتهرت دارين من القدم أكثر من تاروت حيث اشتهرت أي - دارين - بالعطور ولاسيما المسك يُقال «مسك دارين» قال الشاعر النابغة الجعدي:
ألقِي فيه فِلْجان من مسك دا
رين، وفلجٌ من فُلفُلٍ ضَرِم
وقال كثير عزة:
أفيد عليها المسكُ حتى كأنها
لطمته دارين تفتق فارُها
موقع دارين
تقع مستوطنة دارين في الركن الجنوبي لجزيرة تاروت، وكانت دارين جزيرة صغيرة انفصلت عن الجزيرة الأم تاروت، وأعيد ردم القناة المائية الفاصلة بينهما عام 1399هـ/ 1979م.
واشتهرت دارين مرفأً بحرياً وسوقاً نشطاً ولعلّ شهرة دارين التجارية أطبقت آفاق الجزيرة العربية، فكانت دارين مخزناً كبيراً للبضائع التي كانت تجلبها السفن والمراكب البحرية، وأشهرها العطور والتوابل وأنواع من الأقمشة المنسوجة، بينما كانت تؤم دارين قوافل التجار، وتخرج منها محملة بالسلع التجارية، وإلى ذلك يشير الشاعر العربي الأعشى في قوله:
يمُرُّون بالدَّهناءِ خفافاً عيابُهُم
ويرجعْنَ من دارين بُجْرَ الحقائبِ
كان لدارين مرفأ قديم يقع عند أقصى نقطة عميقة داخل البحر، ظل هذا المرفأ مميزاً في موقعه المتقدم، مما أهله ليكون أشهر موانئ شرق الجزيرة العربية قبل الإسلام. وقد شهد هذا المرفأ في العصر الإسلامي المبكر تطوراً في نشاطه البحري، حيث كان محطة تتوقف عندها المراكب التي كانت تتحرك باتجاه مدينة بغداد عاصمة الخلافة العباسية. وتتركز بقايا المستوطنة الأثرية بدارين تحت أساسات البلدة القديمة التي تقع في القسم الشرقي من مدينة دارين الحديثة، ولعل أبرز مواقع آثار دارين قصر دارين.
وتتميّز الجزيرة بوجود مجموعة من المباني الأثريّة القديمة والمميزة بتصميمها المعماريّ، مثل: قصر دارين التاريخيّ، وقصر محمد بن عبد الوهاب الفيحانيّ، وبقايا الحصن التركيّ، بالإضافة لميناء دارين القديم الذي يعدّ أقدم ميناء بحريّ في العالم.
وقد كانت الجزيرة قديماً مركزاً لجمع اللؤلؤ والتجارة في العهد العثمانيّ، فقد كانت الجزيرة سابقاً محطّ استقبال للعديد من البضائع، مثل: المسك، والعطور، والسيوف، والمنسوجات، والتوابل الهنديّة، والبخور، والأحجار الكريمة، والعاج، والخشب الفاخر.
يُطلق على جزيرة دارين في الأصل اسم «داري»، وذلك وفقاً لما جاءَ في معجم البلدان، وقد كشفت أعمال البحث الأثريّ أنّ تاريخ الجزيرة يمتدّ للعصور القديمة، فبعدَ أعمال التنقيب التي أُجريت على منطقة دارين الواقعة على تلّة قديمة تقف عليها قلعة عبد الوهاب الفيحانيّ الأثريّة عام 1401هـ، وجدَ المختصون في الجزء الجنوبيّ الشرقيّ من القلعة عملات فضيّة تعود لما قبل العهد الإسلامي في المنطقة، إذ تبيّنَ أنّ هذه العملات تشبه إلى حدّ كبير الدراهم الساسانيّة القديمة، أمّا العهد الإسلاميّ في الجزيرة فقد بدأ بعدَما قطعَ المسلمون بقيادة العلاء الحضرميّ مياه الخليج العربيّ، ووصلوا لميناء دارين الذي كانت تغطيه الرمال والمياه التي كانت تغمر حوافر الجمال، ما جعل هذه الجزيرة تُدرَج كمنطقة أثريّة قديمة لدى قسم الآثار والمتحف.
وكلما ذكرت دارين، ذكر الأدب والحب والطيب وإن كان الطيب وما تفرّع عنه من أسماء المدينة المنورة مثل طيبة وطابة والمطيبة:
ألم تر أني كلّما جئتُ زينبَ زائرًا
وجدتُ بهـا طيباً وإن لم تطيَّبِ
وقد ذكرها الشعراء بالجاهلية (وأعتذر عن صعوبة الألفاظ)، حيث يقول:
رُكَّب فِي السامِ والزَبيبِ أَقا
حِيُّ كَثِيبٍ تندى مِنَ الرَهَمِ
بِماءٍ مُزنٍ مِن ماءٍ دَومَةَ قَـد
جُرِّدَ فِي لَيلِ شمأَلٍ شَبِمِ
عُلَّت بهِ قَرقَفٌ سُلاَفَـةُ إِس
فِنطٍ عُقـارٌ قَلِيلَةُ النَـدَمِ
أُلقيَ فِيها فِلجانِ مِن مِسكِ
دارِينَ وفِلجٌ مِن فُلفُلٍ ضَرِمٍ
رُدَّت إِلى أَكلَفِ المَناكِبِ
مَرسُومٍ مُقِيمٍ في الطّينِ مُحتَدِمِ
جَونٍ كَجَوزِ الخَمّارِ جَرَّدَهُ
الخُرّاسُ لا ناقِسٍ وَلا هَزِمِ
وقول ابن حميدس الأندلسي:
وراهبة ٍ أغلقتْ دَبْرَها
فكنّا مع الليل زُوّارها
هدانا إليها شذا قهوة ٍ
تذيعُ لأنفك أسرارها
فما فاز بالمسك إلاَّ فتى
تَيَمّمَ دارِينَ أو دارها
كما تحتضن دارين العديد من المعالم السياحية منها: قلعة دارين، كورنيش دارين، ميناء دارين.
وذكر لي الأستاذ عبد الناصر الهتلان المهتم بتاريخ الجبيل عن مطار دارين فهو من أوائل المطارات فيقول: مطار دارين أو مطار الرفيعة ويسمى بحسب الوثائق البريطانية قوة الطيران الحجازية النجدية بجزيرة دارين ومحطّة دارين الجوّية، هو مطار أثري وتاريخي، يقع في دارين جنوب غرب جزيرة دارين التابعة لمحافظة القطيف شرق المملكة العربية السعودية. لا يوجد تاريخ دقيق لزمن بناء المطار تحديداً، ولكن يُرجّح بأن المطار قد أُنشِئ في عام 1329هـ/ 1911- 1912م خلال الحرب العالمية الأولى.
مطار دارين مطار عسكري ويعتبر أقدم وأول مطار في تاريخ السعودية، وأول مطار في الخليج العربي من بعد مطار المنامة بالبحرين توقف عن العمل عام 1932م وهجر عام 1939م ولم يتبقَ منه سوى غرفة مستودع الوقود وهي مُنعزلة عن المبنى والمدرج الذي كان يبعد مسافة 600 متر من ساحل البحر.
بينما كانت أول معرفة لأبناء المنطقة الشرقية بالطائرات كانت عندما أنشأت الحكومة السعودية مدرسة لتعليم الطيران في جزيرة دارين واشترت 4 طائرات بريطانية الصنع من طراز ويستلاند وابيتي مارك 2 وذلك في 29 رجب، 1348هـ - 30 كانون الأول/ ديسمبر، 1929م، إلا أن المشروع الدراسة تعثر بسبب كثرة الحوادث والصعوبات الفنية واللوجستية في الصيانة والحصول على قطع الغيار، وقد تم نقل المشروع والطائرات الموجودة البالغ عددها 4 إلى مطار جدة وذلك في 15 سبتمبر 19