د.شريف بن محمد الأتربي
لا يعد مصطلح التعليم من المصطلحات الجديدة أو الحديثة، بل هو قديم قدم البشرية، فالله سبحانه وتعالى هو المعلم الأول لجميع مخلوقاته وخاصة آدم وذريته، فالله حين أراد أن يختبر إيمان الملائكة وضعهم في اختبار معرفي بينهم وبين مخلوقه الجديد آدم عليه السلام، وعمل جلَّ جلاله على تعليم آدم بنفسه الأسماء كلها، ويوم الامتحان أجاب آدم على السؤال الإلهي باستعراض الأسماء أمام الملائكة، ولم تتوقف العملية التعليمية عند هذه المناظرة، بل استكملت في الجنة من خلال أسلوب الحياة الذي يجب أن يتبعه آدم داخلها، ولما خالف آدم هذه التعليمات كان جزاؤه الهبوط إلى الأرض والعيش فيها حتى يوم معلوم عند الله سبحانه وتعالى.
{وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}. (البقرة 31-37)
ولم تتوقف العملية التعليمية الإلهية عند أدم فقط، ولكنها استمرت لبعض الرسل من بعده سواء من خلال الوحي المباشر من الله تعالى لرسوله كما في قصة موسى عليه السلام، أو من خلال ملك من الملائكة يحمل الرسالة إلى الرسول مباشرة، كما فعل جبريل عليه السلام مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}. (البقرة - 253).
وعلى الأرض التي عمرها الإنسان بدأت العملية التعليمية من آدم عليه السلام إلى أبنائه، حيث علمهم أسلوب الحياة على هذا الكوكب من أجل استمرارية الحياة. وقتل قابيل هابيل واحتار فيما يفعله بجثمان أخيه، ليستمر الدور الإلهي في التعليم، ولكن بأسلوب المحاكاة، حيث أرسل الله غرابا ليعلمه كيف يواري سوءة أخيه. قال تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}. (المائدة 31).
واستمرت الحياة بآدم عليه السلام حتى رزقه الله تعالى بولده (شيث) عليه السلام بعد خمس سنوات من مقتل (هابيل)، وجميع البشر من نسل (شيث)، وأنزل الله تعالى عليه خمسين صحيفة. وبنى الكعبة من الحجارة والطّين برفقة أبيه آدم -عليه السّلام- في المكان الذي نزل فيه آدم إلى الدّنيا. وهو أوّل من اعتمر بالكعبة، وأوّل من ابتدع الكتابة، وأوّل من غرس النّخلة بالأرض، وبذر البذرة، وقد كان موصوفاً بالحكمة.
واستمر التعليم الإلهي للرسل والأنبياء ومنهم للبشر حتى نزل الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه نقل التعليم الديني والدنيوي إلى المسلمين لينتقل إلى كافة ربوع الأرض. وقد انتهج النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من نهج في تعليم الصحابة فعمل على تربية الحواس، ووجوب التعلم ونشر العلم واستمرارية التعليم، وقد راعى صلى الله عليه وسلم في تعليمه الفروق الفردية بين المتعلمين، وعمل على إذكاء روح التعلم الذاتي، والتثقيف من خلال التعامل مع التراث، واستخدام التفكير الناقد، كما أذكى صلى الله عليه وسلم الصحبة بين المعلم والمتعلم والتي ساهمت في بناء مجتمع إسلامي قوي ومترابط ومثقف ومتعلم، فاستطاع هذا المجتمع أن يقود العالم لقرون طويلة، وأن يصمد في وجه التحديات العديدة التي واجهته، وما أضعفه إلا تكالب قيادته على الدنيا وتركهم الآخرة، فأصبح زمام القيادة في يد غيرهم، وأصبحوا مستهلكين للعلم لا منتجين له.
وقد تعددت أساليب تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فتميزت بالتنوع والمرونة والتكامل والشمول مما جعلها صالحة لكل زمان ومكان ولكل فئات البشر ومن هذه الأساليب (التربية بالقدوة، والتربية بالقصة، والتربية بالأحداث، والتعليم بضرب الأمثال).
واستمر التعليم في كافة أنحاء العالم خلال فترات طويلة على شكل تعليم ديني وحلقات تعليم حتى ظهر التعليم الرسمي في أوربا ومنه انتقل إلى مختلف ربوع العالم، وخلال هذه الفترات كان التعليم يتطور تدريجياً وإن كان هذا التطور يتم ببطء إلا أنه شمل جميع جوانب العملية التعليمية، وأيضاً البيئة الصفية والمدرسية.
ويعد كل من التخطيط للتعليم والوسائل التعليمية من أهم العناصر تأثراً بهذا التطور، حيث أصبح على المعلم أن يخطط لدرسه تخطيطاً جيداً، وأن يختار ويستخدم الأدوات والوسائل التعليمية المناسبة لموضوع ومحتوى الدرس.
ومع دخول التقنيات إلى العملية التعليمية؛ أصبح اعتماد المعلمين والمتعلمين عليها بشكل كبير جداً خاصة لما توفره من خصائص ومميزات وميسرات لتحقيق أهداف التعلّم، وتحقيق آمال وتطلعات المتعلمين في الحصول على التعليم بطريقة سهلة ومبسطة وتتفق مع قدرات كل منهم.
ومع بداية التسعينات من القرن العشرين بدأ المجتمع التربوي في ترديد مصطلح التعليم الإلكتروني، وبدأت تبرز إيجابيات استخدامه ودوره المهم في التعليم خاصة مع ظهور المنصات التعليمية، مما أدى إلى زيادة الإقبال عليه، فأصبح التعليم الإلكتروني، وتقنيات التعليم جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية.
وكما ارتبط التعليم العادي داخل الفصول بمصطلحات التخطيط والتصميم والتنفيذ؛ ارتبط أيضاً التعليم الإلكتروني بنفس المصطلحات، مع اختلاف آلية التطبيق سواء كان التعليم عن بعد أو توظيف التقنية داخل الصفوف الدراسية، وحتى التعلم الذاتي عبر المنصات.
ويُعرِّف (ألبرت وترستون) التخطيط بأنه: (عملية ذهنية منظَّمة للتفكير واختيار أنسب الوسائل الممكنة لتحقيق هدف محدد)، فالتخطيط يجمع بين بعض العمليات التي يجب أن تكون مترابطة ماديًا وبشريًا، وتعتمد هذه العمليات على الدراسة والتنبؤ الدقيق والعميق للمستقبل، اعتمادًا على مواكبة أحدث المستجدات في مجال الموضوع الذي يُخطَّط له، ومراعاة التوجيهات والسياسات الصادرة من المستوى الإداري الأعلى، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض التقديرات والحقائق الواقعيَّة المتواجدة. كما ا (هايمان) التخطيط بأنَّه: (تحديد مسبق لما سيُؤدَّى، وتحديد لخط سير العمل في المستقبل، يضم مجموعةً منسجمةً ومتتابعةً من العمليات؛ بغرضِ تَحقيق أهداف معينة).
والتخطيط في التعليم لا يختلف عن التخطيط في المجالات الأخرى، فالكل يسعى إلى تحقيق أهدافه وغاياته من العملية أو العمليات المخطط لها. فالتخطيط في التعليم هو عملية تصور مسبق شامل لجميع عناصر وأبعاد العملية التعليمية، وما يقوم بين هذه العناصر من علاقات متبادلة، وتنظيم هذه العناصر مع بعضها البعض بصورة تؤدي إلى تحقيق الأهداف التربوي. وهو عملية يتم فيها وضع إطار شامل للخطوات والإجراءات والأساليب المستخدمة لتحقيق أهداف محددة خلال زمن معين، والتأكد من درجة بلوغ هذه الأهداف.
بينما يشار إلى تصميم التعليم بأنه الإطار الذي يدعم خبرات التعلم، ويشير إلى اختيارات مدروسة حول: ماذا ومتى وأين وكيف يتم التدريس، ويجب اتخاذ قرارات بشأن المحتوى، والهيكل والتوقيت والاستراتيجيات التربوية، وتسلسل أنشطة التعلم، ونوع التقييم وتواتره في الدورة، فضلاً عن طبيعة التكنولوجيا المستخدمة من أجل دعم التعلم بغض النظر عن طريقة التعلم، أو أسلوبه.
والتصميم أيضاً هو خطوات منطقية وعلمية تُتبع لتصميم التعلم وإنتاجه وتنفيذه وتقويمه، وهو عملية متكاملة لتحليل حاجات المتعلم والأهداف، وتطوير الأنظمة المستخدمة في العملية التعليمية داخل وخارج الفصل لمواجهة حاجات المتعلمين، والاهتمام بتطوير تنفيذ التعليم وتجريبه وإعادة فحصه واختيار الأنسب منه لتعميمه إن أمكن.
وخلال عمليتي التخطيط والتصميم، تظل الرغبة وبعض الخبرة هي المتحكم الرئيسي في كتابة سيناريو كل منهما، حتى إذا جاء وقت التطبيق أو التنفيذ تتحول هذه السيناريوهات إلى عمليات حقيقية على أرض الواقع حيث يضاف لها طرف آخر هم المتعلمون أو المستفيدون الحقيقيون.
ونجاح التخطيط والتصميم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرة المعلم على إدارة صفة، وجذب انتباه طلابه، وخرطهم في العملية التعليمية من خلال أدوار واضحة ومحددة، وباستخدام استراتيجيات متعددة تتفق وطبيعتهم وتهتم بكل منهم بمفرده من خلال تنفيذ تفريد التعليم، وإلا كانت النتائج مخيبة للآمال وغير متسقة مع ما تم التخطيط والتصميم له.
وحين يتم تطبيق التخطيط والتصميم والتنفيذ على التعليم أو التعلم الإلكتروني نجد أن هناك فرقا كبيراً بين هذا وذاك، فالتعليم الإلكتروني هو وسيلة من الوسائل التي تدعم العملية التعليمية وتحولها من طور التلقين إلى طور الإبداع والتفاعل وتنمية المهارات، ويجمع كل الأشكال الإلكترونية للتعليم والتعلم، حيث تستخدم أحدث الطرق في مجالات التعليم والنشر والترفيه باعتماد الحاسبات ووسائطها التخزينية وشبكاتها.
وبفضل التطور السريع في مجال التقنية بشكل عام؛ وفي تقنيات التعليم بشكل خاص ظهرت أنماط جديدة للتعليم والتعلم، مما زاد في ترسيخ مفهوم التعليم الفردي أو الذاتي؛ حيث يتابع المتعلم تعلّمه حسب طاقته وقدرته وسرعة تعلمه ووفقا لما لديهِ من خبرات ومهارات سابقة. ويعتبر التعليم الإلكتروني أحد هذه الأنماط المتطورة لما يُسمى بالتعلّم عن بعد عامة، والتعليم المعتمد على الحاسوب خاصة، حيث يعتمد التعليم الإلكتروني أساساً على الحاسوب والشبكات في نقل المعارف والمهارات. وتضم تطبيقاته: التعلّم عبر الوب والتعلّم بالحاسوب وغرف التدريس الافتراضية والتعاون الرقمي. ويتم تقديم محتوى الدروس عبر الإنترنت والأشرطة السمعية والفيديو والأقراص المدمجة.
إن التخطيط للتعليم وتصميمه وتنفيذه من خلال نظم وأدوات التعلم الإلكتروني يختلف اختلافًا كبيرًا وواضحًا عن التخطيط والتصميم والتنفيذ للتعليم في سياقه المتعارف عليه، لذا يجب على القائمين على التخطيط والتصميم العمل على تهيئة الجيل الجديد من المعلمين للتعامل مع هذه المفردات الجديدة للتعليم ضمن إطار التعليم الإلكتروني، وأيضا إعادة تهيئة الجيل الحالي من المعلمين لتخطيط وتصميم وتنفيذ التعليم بما يتفق مع متطلبات التعليم الإلكتروني.
إن استخدام التعليم الإلكتروني كأحد طرق ووسائل التعلم خاصة في الظروف القاهرة كما في «كوفيد19» يعطي المعلمين وجميع القائمين على العملية التعليمية فرصاً أكبر لتنفيذ مخططاتهم وتحقيق أهدافهم عطفًا على المهارات التقنية التي يمتلكها أغلب الطلاب نتيجة امتلاكهم لمفاتيح التقنية وتطبيقها بشكل دائم فيس جميع مناشط حياتهم.