د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
المشهد الثقافي في عمومه بحر عميق لا بد أن تعانقه الدِيَم، وتهطلُ فيه سحائب ملأى بالإبداع الإنساني الغزير؛ وفي بلادنا ازدان مشهدنا الثقافي بأُطُرٍ حديثة، ومنصات إبداع تتهادى أهدفها لتحقيق الانتفاع الممكن من غنائم العقل البشري حال تدوينها؛ وفي تلك المنصات تسطع البلاغة والأدب الرصين، حيث يُذيبُ الأدباء المعاني السامية في جوف أقلامهم؛ ثم يدفعون بها للعالم المحلي والخارجي؛ وكل تلك المؤشرات الجمالية للكلام البشري يلزمها بيئات حاضنة محفزة؛ ولذلك وتأسيسًا على مصفوفة من الاختصاصات تشكَّل في آفاقنا الثقافية «كرسي الأدب السعودي» في جامعة الملك سعود منذ قرابة العشر سنوات فتعاظمتْ البهجة لحضوره الواعي في الساحة الأدبية؛ فامتطى مؤلفو الأدب من السعوديين ومن نثروا ابداعاتهم في فنونه امتطوا صهواتهم لمصافحة الكرسي والامتاح من نميره، وحمل كرسي الأدب السعودي في مسيرته منذ استحداثه عام 1434- 2013 أهدافاً ثقافية أدبية سامية يتصدرها نشر الكتب العلمية المحكَّمة، حيث إنه كرسي أبحاث ونشر علمي؛ وهو محضن موثوق للبحوث والدراسات في المشهد الثقافي الإبداعي السعودي؛ واحتضان الأدب وفنونه وضروبه وأربابه والإسهام في حماية مسارات وصوله من وعثاء الطريق؛ وسار كرسي الأدب السعودي وفق منهجية نشر تنظيمية تقوم على تشكيل إصداراته ضمن سلاسل من الكتب بلغتْ الثماني؛ واشتملتْ على الرسائل الجامعية، وأبحاث المؤتمرات والندوات العلمية في المجال ذاته؛ إضافة إلى سلسلة المنتخب من دراسات الأدب السعودي كالشعر والرواية والمسرحية والقصة والرحلات وأدب الرسائل، كما تضمنت السلاسل أبحاثاً لطلاب الدراسات العليا، وسلسلة الترجمات، ثم سلسلة «الأدباء السعوديون شهادات وتجارب»، واختط الكرسي حزمة من إصدارات رائدة أعاد فيها الكرسي نشر بعض كتب الرواد السعوديين، وتبنى الكرسي سلسلة بيلوجرافيا الأدب السعودي تتضمن حركة التأليف والنشر الأدبي في المملكة العربية السعودية، والمطلع على تلك السلاسل يدرك التوجه الصحيح الممنهج لكرسي الأدب السعودي نحو خدمة الأدب الوطني السعودي؛ كما تحفُل إصدارات الكرسي بمنارات ضوء زاخرة، والتقاطات فريدة من مسيرة أدبنا الوطني العريق!
وحريٌّ بنا أن نحتفي بالمحتوى الذي أصدره ونشره كرسي الأدب السعودي في جامعة الملك سعود؛ وما يماثله من المنصات الوطنية الحاضنة لتاريخنا الأدبي وفنونه الذي هو جزء كبير جداً من ثقافتنا الوطنية؛ فالأدب بمفهومه الجميل وتنوع مراقيه وأجناسه؛ دائمًا ما يحظى بتوق وشوق من النخب الفكرية، وإن تباينت اختصاصاتها؛ كما تتلذذ بنتاجه جلّ التشكيلات المجتمعية والأفراد غير المتخصصين على حد سواء. فهو ليس سلعة تجارية إنما هو نصوصٌ ذات وهج وقيمة؛ وعند ذاك لا بد أن يُحْتفى بالإبداع الأدبي من خلال حواضن رسمية كما هو كرسي الأدب السعودي، وفي دروبه المشرقة لعل الكرسي يحتفي بالتلقي الأدبي في منصات العرض الثقافي والتنوير المجتمعي، وأن تكون له إسهامات في عرض الناتج الأدبي المنشور من خلاله، وأن يُقدَّم مبدعو الأدب إلى المجتمع كداعمين لجودة الحياة ووهجها وجمالها وجودة الحياة مفردات لامعة في رؤية بلادنا العملاقة 2030؛ ويقدمهم الكرسي كذلك كممثلين عن مجتمعاتهم لطرح الفضائل من خلال الفنون الأدبية، وصياغة مشاهد من النماذج القدوة والمواقف الخالدة!
وذلك الاحتفاء بالأدب ورواده يُؤسسُ لصناعة محلية متينة، وخلق مسافات من الاتصال الإنساني الراقي من خلال المحتوى الأدبي الذي ينبغي أن يتصدر مشهد التعايش والانسجام المجتمعي تحت مظلة الوطن الكبير، وما يحمله كرسي الأدب السعودي احتفاءً بكل منتج أدبي له دور فكري وتنويري، حيث يعتبر مؤشرًا على عافية الفكر والثقافة في بلادنا، وأحد أهم العوامل لرفع الذائقة لدى الأفراد والجماعات، وتحقيق النظرة الجمالية والإيجابية للكون والحياة؛ ولأن الأدب كمفهوم تكويني فيه تفصيل وتفاصيل فيلزمه حواضن قادرة على حمل مهمة الأدب والأديب بوضع خطة وطنية للنهوض بكل أطرافه ومكوناته، وحبذا أن يتبنى كرسي الأدب السعودي جانباً استراتيجياً للتعريف بالمواهب الأدبية الواعدة التي تعتبر صفوفًا قادمة لملء الفضاء الأدبي في بلادنا، والأخذ بأيدي المواهب حتى تحلق حيث يزخر المجتمع السعودي بالمبدعين في الأدب بفنونه المختلفة التي وصل كثيرٌ منهم للعالمية وجوائزها!
كما نأمل من كرسي الأدب السعودي استحداث صياغات جديدة لجمع نوادر الأدب السعودي ونفائسه وتاريخ الفنون الأدبية في بلادنا بأسلوب الموسوعات الذي حفظ روائع الآداب العالمية؛ ليكون إضافة مجزية لما يضطلعُ به الكرسي من مهام موقرة ونتائج مقدرة!