حمّاد بن حامد السالمي
* عرضنا في الحلقة الأولى من هذا المقال؛ والمنشورة هنا يوم الأحد الفارط؛ (https://www.al-jazirah.com/2022/20220213/ar2.htm) جانبًا مما أورده الأديب (محمد كرد علي ت 1953م)، في مذكراته التي تؤرّخ للنصف الأول من القرن الميلادي العشرين، خاصة وهو من الوزراء وكبار الشخصيات السياسية والأدبية والاجتماعية في زمنه، وعاصر الحربين الكبريين الأولى والثانية، واحتك بمؤسسي جماعة الإخوان المظلمين مصريين وشاميين وغيرهم، وكتب عن خبرة ومعرفة ودراية، ومن ضمن ما ورد في شهادته على العصر قوله: (تألفت منذ سنوات؛ جماعة اتخذت لنفسها اسم - الإخوان المسلمون- وأعلنت على الملأ أن لها أهدافًا دينية واجتماعية، دون أن تحدد لها هدفًا سياسيًا معينًا ترمي إليه، وعلى هذا الأساس؛ نشطت الجماعة، وبثت دعايتها، ولكن ما كادت تجد لها أنصارًا، وتشعر بأنها اكتسبت شيئًا من رضا بعض الناس عنها؛ حتى أسفر القائمون على أمرها عن أغراضهم الحقيقية، وهي أغراض سياسية، ترمي إلى وصولهم إلى الحكم، وقلب النظم المقرّرة في البلاد. وقد اتخذت هذه الجماعة في سبيل الوصول إلى أغراضها؛ طرقًا شتى، يسودها طابع العنف، فدربت أفرادًا من الشباب أطلقت عليهم اسم الجوالة، وأنشأت مراكز رياضية تقوم بتدريبات عسكرية مستترة وراء الرياضة، كما أخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات، وتخزنها لتستعملها في الوقت الذي تتخيَّره ... إلخ).
* وفي مكان آخر من سرديته التي وردت في 4 أجزاء كبيرة؛ يورد مثالاً واحدًا من أمثلة عدة تعرض لنا رأي ورؤية الطبقة الفكرية والمثقفة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الميلادي الفارط، فينقل عن الأستاذ (سعيد التلاوي 1912- 1973) فيقول: (قال الأستاذ سعيد التلاوي في جريدة الفيحاء يصف الإخوان المسلمين: ولعل آلم ما يقع أمام الإنسان من حوادث وأحداث تحز في نفسه، وتدمي فؤاده، أن يرى الباطل مرتديًا ثوب الحق والفساد، مبهرجًا بدعوى الجهاد، وهذا شأن الفئة التي أطلقت على نفسها اسم (الإخوان المسلمين)، كأنما أرادت أن تفرض نفسها على الناس فرضًا، وتحتل ميدان الدين والوطنية والقومية احتلالاً لا يكون معه مكان للذين لم ينتموا إلى هذه الفئة.. أي أننا الذين نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبالقضاء والقدر؛ في حاجة لنكون مسلمين حقًا؛ أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر، وبالإخوان المسلمين..! وإذا لم نؤمن؛ فإننا لا جرم نكون من الإخوان الكافرين)..!
* ثم يقول: (الإخوان المسلمون جماعة طغت عليهم الأنانية، وفتنتهم الدنيا، وغرتهم الحياة، فطفقوا يعملون على بلوغ الشهرة والجاه والسلطان من أقرب الطرق، وهو طريق الدين الحنيف والشريعة السمحة، وراحوا يركبون للوصول إلى آمالهم وأمانيهم كل مركب، ولم ينس الناس تلك الحملات التي شنوها على كرام الوطنيين وعيون القوميين أثناء معركة الانتخابات الماضية. تلك الحملات التي كشفت حقيقتهم، وأظهرت نيتهم، وبيَّنت طويتهم، مضافة إلى ما فعلوه من قبل في الموقف المعروف بفتنة نقطة الحليب، التي قمعها الرجل الصالح الصادق سعد الله الجابري، وأنقذ البلاد من كارثة كادت تقضي على خيوط الاستقلال والحرية والسيادة في ذلك الحين، مضافة إلى ما فعلوه من بعد في اليمن، تلك البلاد العربية؛ التي كانت على رأسها ملك عربي مسلم، لم يسمح لأجنبي أن يطأ أرض بلاده مدة أربعين سنة، ولم يوقّع على ورقة أو صك أو عهد بينه وبين دولة أجنبية، فكان نصيبه - رحمه الله- القتل والتمثيل به، وسرقة أمواله، ونقلها بالطائرة مع الفضيل الوتلاني، وتحويل قسم منها إلى الإخوان المسلمين في القاهرة). انتهى كلام سعيد التلاوي، الذي أشار إلى واحدة من خزايا الإخوان وما أكثرها، والتي وصلت بهم إلى اليمن في الأربعينيات من القرن الميلادي الفارط، وكيف أنهم تغلغلوا في المجتمع اليمني القبلي، حتى أسووا فرعًا لهم هناك، فركبوا موجة الثورة ضد ملك اليمن آنذاك (يحيى حميد الدين)، وأسهموا في اغتياله سنة 1948م، ونهبوا ممتلكاته وأمواله ونقلوها إلى خارج اليمن.
* إذن.. هذه هي حال الإخوان المظلمين منذ بداياتهم إلى يوم الناس هذا. ظَلامات وظُلمات، وضلالات بعضها فوق بعض، فمنهجهم الضال يقوم على: (المظاهرات والثورات - الخروج على الحكام- زعزعة الأمن والاستقرار- زعمهم أن من لم يخرج على الحكام موالٍ لهم- تفرقة الأمة وتشتيت شملها- موالاة أهل الباطل دائمًا- الحب في الجماعة والبغض في الجماعة- من وافقهم على ضلالاتهم أحبوه ورفعوه، ومن خالفهم وحذّر من ضلالاتهم افتروا عليه وأبغضوه، ولفقوا له التهم والأكاذيب، ورموه بأقبح الألفاظ وأشنعها، واخترعوا له أسماء لتنفير الناس عنه، وهم يعادون كل من يحذّر من ضلالات سيد قطب. ومن أبرز ضلالاتهم كذلك: الكذب والغش والخيانة والتلوّن والنفاق والتقية، فيظهرون للناس كلامًا، ويقولون في الغرف المغلقة كلامًا آخر، ويلهثون وراء السلطة والحكم ولو على الجثث والأشلاء، ويتنازلون عن الدين من أجل الوصول إلى كرسي الحكم، ويحرفون الدين لأغراض الجماعة، ويعتقدون أولاً ثم يستدلون، وهذه صفة ملازمة لكل مبتدع، فلا حاكم عندهم إلا من الإخوان، ولا سمع ولا طاعة إلا للحاكم الإخواني.
* هذا هو تاريخ هذه الجماعة الظلامية منذ أكثر من تسعة عقود. تاريخ أسود ظلامي مظلم، لا بد لهذا الجيل أن يقف عليه ليعرفه حق المعرفة. إن مصيبتنا في عصرنا؛ أننا لا نقرأ تاريخنا قراءة نقدية، وإذا قرأنا؛ قد لا نعي ولا نفهم بشكل جيد. من لم يقرأ فيفهم ويعي؛ فإنسانيته مهزوزة، ووعيه ناقص. ألم يقل شاعرنا العربي:
ليس بإنسانٍ ولا عالمٍ
من لا يعي التاريخ في صدرهِ
ومن درى أخبار من قبله
أضاف أعمارًا إلى عمره