سلمان بن محمد العُمري
توقفت عند تغريدة لأخي عبدالمجيد العُمري أشار فيها لحادثة وموقف جميل لا يسطره إلا الرجال الأفذاذ الكبار حيث يقول في تغريدته: (طلق الشيخ صالح الخريصي زوجته، ومن ثم عرض على الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمهما الله- أن يتزوج منها فتم ذلك، والبعض إذا طلق أصبح وأمسى يتكلم عن طليقته في كل مجلس، وكذلك المرأة، ويقولا عن بعضهما كل سوء.
إذا كان "الميثاق الغليظ" بينهما قد انتهى فبقي ميثاق آخر "ولا تنسوا الفضل بينكم").
وفي الوقت ذاته استوقفني مشهد مؤلم لامرأة احتفلت بطلاقها من زوجها بصورة غير مألوفة، فقد وضعت ملصقاً كبيراً على سيارتها يتضمن الإعلان والابتهاج بطلاقها من زوجها؟!
إن الطلاق هو الحل الأخير عندما تستحيل الحياة بين الزوجين وتفشل كل جهود التوفيق بينهما، وهو أشبه بشهادة وفاة لحياة أسرية بين زوجين، جمعهما الله على المودة والرحمة، لكن الكثيرين يبادرون إلى هذا الحل الذي يبغضه الله، لمجرد وقوع خلاف ما داخل نطاق الأسرة، وقد يكون خلافاً بسيطاً، لكنه يكبر ويتضخم لقلة وعي أحد الزوجين أو كليهما بمسؤوليته، وما يعنيه الزواج.
ولا شك أن تزايد أعباء الحياة قد يكون سبباً في ارتفاع معدلات الطلاق في بعض المجتمعات التي يعاني أبناؤها من مشكلات اقتصادية، لكن بالطبع هناك أسباب أخرى نراها بوضوح في مجتمعنا الذي أنعم الله على أهله بالكثير من الخير، ويأتي في مقدمة هذه الأسباب: عدم التقدير للمسؤولية المترتبة على الزواج، والواجبات المنوطة بكل من الزوج أو الزوجة القيام بها، وغياب الحوار الموضوعي العقلاني بين كثير من الأزواج، فنجد كثيراً من الزوجات يعشن في بيت الزوجية كأنهن لا يزلن في بيوت آبائهن، فتهمل حقوق الزوج، والبيت، وتنشغل بأمور أقرب لاهتمام البنات منها إلى الزوجات، وزوجة أخرى تنشغل تماما بالأطفال عن أداء حقوق الزوج، فتهمل مظهرها، وزينتها، ظنا منها أنها قد قيدت زوجها بقيد لا فكاك منه، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في زيادة حالات الطلاق، ناهيك عما يفعله المخببون والمخببات في زمن المتغيرات الحياتية المتسارعة، وفي المقابل، نرى أزواجًا لا يراعون حقوق زوجاتهم، فيكثرون من السهر خارج البيت، ولا يعودون إليه إلا للنوم، ويتعامل مع زوجته كأنها (شيء) لا بد أن يجده متى يطلبه، دون أدنى مراعاة لمشاعرها كامرأة، وإنسان، وبعض الأزواج يظنون أن كل مسؤوليتهم تجاه زوجاتهم وأسرهم هي توفير متطلبات الحياة من مأكل ومشرب وملبس فقط، أما الآخرون فهم مقصرون في تلبية احتياجات أهاليهم، ووضعوا كل شيء على كاهل الزوجة، وكأنها هي المعنية بالقيام بالواجبات الأسرية لوحدها، إضافة إلى عدم الاهتمام بالحاجات المعنوية والنفسية للزوجة والأبناء.
ومع الأسف فقد أدى ارتفاع معدلات الطلاق، ولاسيما في السنوات الأولى من الزواج، إلى تراجع مكانة مؤسسة الأسرة، فأصبح الكثير من الشباب يعزفون عن الزواج ويؤخرونه إلى أقصى وقت ممكن باعتباره (شرا لا بد منه!)، وليس سكناً ومودة ورحمة كما جاء في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}.
وبعض الرجال طلق أكثر من زوجة، وكأن الطلاق والزواج أصبح هواية لشغل الوقت، وقتل الفراغ، وقد وصلت درجة الاستهانة بقيمة الزواج، وعدم الاحترام لهذه العلاقة والرباط الأسري في السنوات الأخيرة، إلى حد أن تدعو إحدى الزوجات زميلاتها لحضور حفل طلاقها، والترويج عن ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وقد ساءني ما اطلعت عليه عبر تلك الوسائل من تصرفات شاذة، وسلوك مشين لبعض النسوة ممن قمن بمثل هذه الأعمال غير السوية.
فهل يعقل أن يقام حفل لأبغض الحلال عند الله، وهل يتم إصدار شهادة وفاة الحياة الزوجية في حفل بهيج يدعى الناس إليه؟!
إن هذا يمثل انتكاسة مريعة في القيم الأسرية التي أرسى الإسلام دعائمها بين الزوجين، ومهما كانت أسباب الطلاق، أو ظلم الزوج، إلا أنه غير مقبول الاحتفال بالطلاق البتة.
فهل وصلت معاناة امرأة مع زوجها إلى تلك الدرجة التي تجعل من خلاصها منه بالطلاق مناسبة تستحق الاحتفال بها، أم أنها مشاعر المرأة التي لا تريد أن يشمت أحد في طلاقها فتتظاهر بأن هذا الطلاق كان أمنية لها تحتفل بتحققها؟
إن مجرد التفكير في إقامة حفل للطلاق لهو جرس إنذار على تدنٍ كبير في طبيعة العلاقات الزوجية في المجتمع، مما يدفعنا إلى البحث في أسباب هذه الظاهرة، التي تخلف كثيرا من الضحايا ما بين أطفال، ونساء مطلقات، وبيوت غاب عنها الدفء، كما يجب أن يدفعنا إلى دراسة وسائل تنمية الحوار داخل نطاق الأسرة، بما يحميها من الوصول إلى الطلاق، وقبل هذا وذاك التوعية بمخاطر الزواج غير المسؤول، وغير المتكافئ، وبيان مسؤولية الآباء والأمهات في توعية الأبناء والبنات بما تعنيه الحياة الزوجية، وحقوق كل طرف على شريكه، حتى لا نجد المجتمع يواجه ليس فقط مشكلة (العنوسة)، بل والمطلقات اللاتي ينظر إليهن نظرة استصغار، ويعزف كثير من الرجال عن الزواج بهن.
فهل نفعل ذلك قبل أن تصبح حفلات الطلاق تنافس حفلات الزواج؟!