الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تعاليم الإسلام واضحة في محاربة "الشائعات"، والأنظمة والقوانين تجرمها، والعادات والتقاليد الاجتماعية ترفضها، وذلك لأنها تعتمد على الكذب والبهتان وهو محرم بنص الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ولها عواقب وخيمة تؤثر على الفرد والمجتمع، وربما على المؤسسات التعليمية والصحية والاقتصادية والأمنية وغيرها.
وأمام المخاطر التي يسببها نقل المعلومات غير الصحيحة وتمريرها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي المجالس والمنتديات، وداخل الأسر، أصبح من الأهمية بمكان أن نبحث عن الأسباب، وتقديم العلاج الناجع للحد من هذه الظاهرة، ومسؤوليات مؤسسات المجتمع في ذلك.
"الجزيرة" التقت مجموعة من المهتمين بالشأن الاجتماعي، من مختلف شرائح المجتمع، وكانت رؤاهم حول هذا الموضوع على النحو التالي:
الأخبار الكاذبة
يشير الاستاذ خالد محمد المشيقح المحامي والمستشار القانوني، إلى أن من أخطر الآفات على الأفراد والمجتمعات انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة المغرضة التي تستهدف زعزعة الحياة الهانئة ونشر الاضطرابات بين أفراد المجتمع لغايات خبيثة مريضة، خاصة في ظل التقنية الحديثة التي سهلت وسائل التواصل من خلال التطبيقات المعروفة واستخدام الأجهزة الذكية، ولقد حذرنا الله -عز وجل- في كتابه الكريم من خطورة الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين).
وذلك لأن الشائعات لها آثار ونتائج سلبية تترتب على انتشارها حيث إن من شأنها تدمير حياة الأفراد والمجتمعات من نواحٍ عدة: الاجتماعية والاقتصادية والأمنية فكم أفسدت الإشاعات العلاقات بين الأقارب ولاسيما الزوجين والأخوة وتسببت في قطيعة الرحم التي ربما تمتد لسنوات، ولم يسلم من الشائعات الأنبياء والرسل، ومثال ذلك ما جاء في حديث الإفك واتهام أم المؤمنين عائشة ابنة الصديق -رضي الله عنهما- بتهمة هي بريئة منها، وكم تسببت أيضاً في خسائر اقتصادية ومالية كبيرة، وكم جلبت وسعَّرت نيران الحروب بين الدول فحصدت الأرواح البريئة وتسببت في الكساد الاقتصادي.
ويشيد المشيقح بما أقدمت عليه الدولة صنعاً، حيث جرَّمت نشر الشائعات والترويج للأخبار الكاذبة التي تمس النظام العام، ولوَّحت بعقوبات شديدة لمن يثبت تورطه في ذلك، ولقد صرحت النيابة العامة بالمملكة العربية السعودية، عبر حسابها الرسمي على تويتر "يُحظر بث الشائعات ونشر المعلومات والأخبار الكاذبة وكل ما من شأنه تضليل المجتمع أو المساس بأمنه الصحي والمجتمعي أو إثارة طمأنينة أفراده وسكينتهم"، وأن الشائعات "تعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف".
وتأسيساً على ما سبق فإنه من الأهمية بمكان أن تتضافر جهود كافة أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية والخاصة في تحذير منسوبيها من خطورة الشائعات وأثرها السلبي على الفرد والدولة، ودور الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد له أيضاً أهمية كبرى في توعية الطلاب والطالبات وكافة أفراد المجتمع والأفضل أن يكون ذلك في مراحل مبكرة من عمر الناشئة، والتركيز على ضرورة التثبت والتأكد من الخبر قبل نقله وتداوله وأخذ المعلومة والخبر من المصادر الرسمية للدولة ( وكالة الأنباء السعودية / جريدة أم القرى )، وكذلك من المتحدث الرسمي لكل وزارة وإدارة حكومية وذلك حتى لا نكون معول هدم لمجتمعنا، قال تعالى في كتابه الكريم على لسان النبي سليمان -عليه السلام- (قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أم كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28)).. سائلاً الله العلي العظيم أن يحفظنا ويحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين انه ولي ذلك والقادر عليه.
الإشاعة المغرضة
يقول المهندس محمد بن جابر السهلي المستشار ورجل الأعمال في الشؤون البحرية والمشاريع الزراعية إن إشاعة الخبر توسيع نطاق انتشاره، وغالب الإشاعة كذب محض فاحش أهدافه دنيئة وينطوي على حب نشر الفساد سواء في الفكر والخلق، وذم الله سبحانه وتعالى الكذب ومن يحب أن يشيع وينتشر ولا تصدر من مسلم محب للخير للغير وسليم الداخل أو من يملك نفساً مطمئنة بخوف من الله وخشية عقابه، مشيراً إلى أن مشيع الإشاعة المغرضة مريض ويعاني من علة متأصلة لا تذهب إلا بالتوبة والرجوع إلى الله، وإدراك أبعاد خطر إشاعته وإنها ذنب متعدٍّ مستمر ما بلغت هذه الإشاعة وما ترتب عليها من نتائج، وذم الله التسرع في نقل الأخبار دون تثبت قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أمرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ) النساء (83)، وعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كفى بالمرء إثماً أن يحدِّث بكل ما سمع) السلسة الصحيحة.
ولاشك أن كثير ناقل الكلام مغرض لأن يكون ناقل الإشاعة وَيُؤَيِّد ذَلِكَ الْحَدِيث الصَّحِيح (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم. فجدير بالمسلم أن يتثبَّت من كل ما ينقله ويحدِّث به وأن فائدته غالبة وإلا فالصمت أسلم.
خلخلة الكيانات
ويوضح الاستاذ عبد العزيز الماضي رجل الأعمال أن الإسلام وضع أسساً وقواعد لإقامة المجتمع الذي تسوده روح المحبة والسلام بين أفراده، والإسلام يدعو إلى كل خير وفضيلة، ويحذر من كل شر وسلوك مشين، والإشاعة من السلوكيات السيئة، ومن الأسباب الرئيسية لبث الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الإسلام، لأنها كالنار في الهشيم تأكل الأخضر واليابس، وخطرها على الفرد والمجتمع، مشيراً إلى أن الشائعات زادت مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، وسهُل انتقالها وترويجها من بعض البشر الذين ابتلوا بهذا الداء، بقصد أو غير قصد، حيث يقومون بالترويج لكل صغيرة وكبيرة يتلقفونها دون تثبُّت وروية، وهي ناتجة عن ضعف الوازع الديني، وهؤلاء ينسون أو يتناسون أن الشائعات تثير البلبلة والفوضى في المجتمعات، وتضيع الأوقات، وتدمر الاقتصاد والأموال، وتفكك المجتمع، وتشتت الأسر، وتفرق الأحباب والأصحاب، وحري بمؤسسات المجتمع قاطبة بدءاً من الأسرة العمل على نشر الوعي في التحذير من نقل الإشاعات، والحرص مع التوكيد على التثبت من المعلومة قبل نقلها وترويجها، كما أنه من الأهمية بمكان أن تبادر مؤسسات الدولة بتصحيح المعلومات الخاطئة في وقت مبكر حتى تلجم المروجين للشائعات من داخل البلاد وخارجها، لأن الشائعات تحبط الهمم، وتخلخل الكيانات المجتمعية والأسرية.
فتنة العصر
وتبين الدكتورة شيمة بنت إبراهيم العتيبي مستشارة التنمية الاجتماعية أنه رغم فعالية شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة في نقل الأحداث بشكل فوري، إلا أنها في المقابل بيئة خصبة لنمو الشائعات التي تسري كالنار في الهشيم؛ نظرا لسهولة إنتاج ونشر، أو حتى إعادة نشر المعلومات بشكل ميسر، دون عناء التدقيق من صحة المعلومة وحقيقتها، وعلى الرغم من أن الإشاعة قديمة وموجودة عبر العصور وفي كل الأوقات حيث حوادث الإفك، ومعركة أحد وغيرها، إلا أن الحذر منها واجب في ظل التكنولوجيا الحديثة، وهي حرب نفسية مدمرة للفرد والمجتمع والمؤسسات حيث الآثار النفسية وأدوات الفتنة والشرذمة والاتهام الجزاف للأبرياء ورجالات الوطن والدين والشخصيات العامة، مشيرة إلى أن مجتمعاتنا العربية تشهد خلال الفترة الأخيرة نشاطاً في نقل الأخبار الكاذبة وترويج الإشاعات من مصادر غير معروفة دون تحرٍّ، وهو أمر يمثل خطراً على الأمن المجتمعي لابد من الانتباه إليه والعمل على مواجهة والتصدي لشروره التي ربما تكون بقصد أو غير قصد، حيث إن نتائج الشائعات مدمرة أكثر من الأسلحة الكيميائية؛ لأنها تفتك بالعقل والتفكير، ولا بد من فهم أسبابها ومسبباتها لوضع سبل للوقاية منها وكبح جماحها.
خاوي الفكر
وتؤكد د. شيمة العتيبي أن الإشاعة لا تنتشر إلا من خلال خاوي الفكر وضعيف العلم وقليل الخبرة، ولا تزيد وتكبر إلا كلّما كانت المواضيع محل النقاش متعلقة بالقضايا الإنسانية والدينية والعرقيّة، أو متناولة لشخصيات عامة، وهو ما يحتاج إلى وعي للتثبت من المعلومة وانتهاج منهج التبين والتثبت والاستقصاء لوقف مدها وحصر انتشارها وبيان حقيقتها عند الناس.
الإشاعة صناعة حيث المادة والزمان والمكان والمروجون والجهات المستهدفة، وبالتالي نحتاج إلى استراتيجيات لكبح جماحها على كل الأصعدة.. استراتيجيات تناسب الواقع وتتأقلم مع المستقبل وتقتل الفتنة في مهدها، ونحن جميعا أمام واجب وطني يقضي بالانتباه لمنشورات المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتمحيص الغثّ من السمين منها وعدم إعادة إرسالها إلا بعد التحقّق من صحتها وصدق ما بها، فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
صوت العبث
وترى التربوية الأستاذة شوقية بنت محمد الأنصاري أن "الإشاعة يؤلفها حاقد ويتوارثها المجنون"، بهذا العنوان افتتحت إحدى الناشئات المؤلفات مقالها، لترسم بفكرها نظرة واعية للتعامل المجتمعي مع الشائعات، نعم إنه الحل في غرس قيم الوعي والمواطنة في نفوس هؤلاء الأطفال والناشئة، فهم جيل المستقبل وخير من يوقف الحاقدين المتذمرين من إثارة البلبلة والإشاعات المغالطة، بل إنني أرى اليوم الأجيال لديها من الحنكة ما يجعلها منفتحة لتضع برامجها وتخطط لمستقبلها بيقين التحقّق، أرى صوت الشباب والناشئة قادراً على إيقاف صوت العبث، الأهم الالتفات لهم إعلامياً وتحفيزياً وابتكارًا مجتمعياً ليكونوا قادرين على ترك بصمة الأثر وقمع صوت الضجر.
نظام الحماية
وتشدد الأستاذة حصة بنت عبد الرحمن المقرن مساعدة مدير إدارة تقنية المعلومات بتعليم الرياض، مستشار الجودة والتميز المؤسسي، على أنه لابد أن يُنظر إلى موضوع نقل المعلومات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل جدي، ولاسيما أن أمن تلك المعلومات يعد أمراً حيوياً ومهماً، ويزداد الأمر أهمية، إن كانت تحتوي تلك المعلومات على بيانات شخصية يشكل تداولها بشكل خاطئ إلى مخاطر وخيمة، حيث يستطيع بسهولة استغلالها من قبل الأشخاص غير المخولين ولصوص الإنترنت والاستفادة منها بطريقة غير سليمة وغير نظامية، وحدَّاً لهذه الممارسات المخالفة تمت الموافقة على نظام حماية البيانات الشخصية من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالمرسوم ملكي الصادر برقم (م/ 19) وتاريخ 1443/2/9، لذلك وجب التأكيد على الحذر من تداول هذه البيانات الشخصية بأي شكل من الأشكال عبر وسائل الإعلام وبرامج التواصل الاجتماعي، كما يجب عدم تداول أي معلومات بشكل عام بدون التثبت من مصدرها.