خالد بن حمد المالك
ما زال العالم وكأنه على كف عفريت -كما يقولون- بسبب الصراعات بين الدول الكبرى، وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول، وممارستها الفوقية على كل دولة لا حيلة لها في مقاومة الأقوى، مما جعل دول العالم في حالة من عدم الاستقرار، ومن استمرار الهيمنة الظالمة على مصالح الشعوب لصالح الدول النافذة في مجلس الأمن، حيث تبدو الحالة التي تمر بها دول العالم تشوبها الخلافات، وتبادل الاتهامات، وصولاً إلى التصعيد غير المبرر في نبرة إثارة كل ما يؤدي إلى الحروب وتمزيق الدول.
* *
لاحظوا أن مناطق العالم تشكو من أن نذير الحرب كان وأصبح على الأبواب، وأن ما ظهر لا يمثل إلا النسبة الأقل مما هو قادم، ما يعني أن علينا أن نحضّر أنفسنا لموجات جديدة من الحروب والاقتتال، وصراع الدول الكبرى على النفوذ، ضمن مخطط للهيمنة، والاستقواء، والتأثير على مسارات حياة الشعوب، دون التفكير، أو المراجعة، أو استحضار، ما مر بالعالم من قبل في الحربين الأولى والثانية من ويلات، وآثار مؤلمة لا يمكن أن يُغفل عنها، أو تُتناسى، فالجرح لم يندمل بعد.
* *
وما يجري على الحدود الأوكرانية، حيث يُسمع قرع طبول الحرب، ليس أقل مما جرى ويجري في سوريا، واليمن وأفغانستان وليبيا والعراق ولبنان والسودان، ودول في شرق آسيا ودول أفريقية كثيرة، وغيرها في العقدين الماضيين، دعك مما حدث قبل هذا التاريخ، وتحديداً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فاستعراض تنامي الصراعات والخلافات، وتجذير القصص المأساوية بتكرارها من عام لآخر، وفي دولة بعد أخرى، يشيب لهولها كل من شاهدها، أو كان جزءاً من وجودها، أو طرفاً متضرراً منها.
* *
ما أحوجنا إلى قادة حكماء يسيّرون دفة حياة شعوبهم بالقدر الكافي من العقل والتعقل، وألا يرموهم في هذا الجحيم، وفي أتون هذه النيران المشتعلة، وألا يكونوا سبباً في إيذاء الأبرياء من الناس، مدفوعين بأطماعهم، والتوسع على حساب أمن وأمان غيرهم، معتمدين على القوة، وحب السيطرة، ونزعة الظلم لدى الظالم التي تتحكم بسلوكه، في ظل غياب مجلس الأمن، وتسييس قراراته بما يلبي رغباتهم، وإلا فإن النقض سيكون حاضراًَ لكل قرار لا يتماشى مع سياساتهم وتوجهاتهم.
* *
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر، والسلوك الغبي، والنظرة الأحادية، واستحضار إظهار القوة، والتأكيد على أن أحداً لا يستطيع ثنيهم عن أي قرار أو توجه أو عمل مهما كان فيه من ضرر على غيرهم، وكأننا أمام حكم وشريعة الغاب، وبين دول أنانية لا تراعي مصالح غيرها، ولا تفكر إلا بما يؤذي الآخرين، بينما الضمير، والإنسانية، في حالة غياب تام، دون إجراء أي تصحيح لهذا السلوك، أو مراجعة لهذه الفوضى في التعامل بين دول العالم.
* *
فما أحرى هذه الدول، وقد بلغ سيل الظلم والقهر ما بلغه، أن تراجع سلوكها، وأن تجلس على طاولة واحدة، وأن تتحاور، وأن تمارس ما يحمي دول العالم وشعوبها من هذه السطوة الظالمة، ومن التعامل غير العادل، ومن هذه الظاهرة المؤلمة في علاقات الدول، وممارسة الحكم، وصولاً إلى عدم جر الشعوب وإكراهها على حروب ستكون مقبرة للملايين من الناس، وضياعاً لاقتصادهم، وأمنهم، واستقرارهم، بفعل قادة لا يتعاملون إلا بما لدى كل منهم من أسلحة يحتفظ بها في ترسانة لليوم الموعود، وكأن قدرنا أن تكون أيامنا كلها موعودة بهذا النزيف من الدماء.