[حكايةِ (اللمبة) الحمراء]
شكايتها في حكايتها
[1]
هو أستاذ شامخ، ذو رأي باذخ، حفيل بكلِّ جميلٍ، كفيل بكلِّ جليلٍ، ارتقَى في سلَّم العلم عليًّا فحصل على أعلى الشَّهادات العلميَّة: (الدُّكتوراه)، وأخذ أعلى الألقاب الأكاديميَّة: (أستاذ = بروفيسور).
هو من أسرة ذات نسكٍ وديانة في روضة رمَّان وفي حائل، وما زالوا ينتسبون إلى العلم، وهم من أهله من حملة الشَّريعة، قُلِّد سعادته مديراً عامًّا للإدارة العامَّة للتَّربية والتَّعليم بمنطقة حائل في الأعوام: (1425- 1428هـ)، وهو الآن أستاذ للثَّقافة الإسلاميَّة في جامعة حائل، وعَمِلَ وكيلاً للدِّراسات العليا والبحث العلميِّ في جامعة حائل أيضاً، وتقلَّد عدداً من المناصب القياديَّة والرِّياديَّة داخل الجامعة وخارجها، وهو أستاذ طُلَعة، وثَّاب إلى المعالي يجمِّل المكان الَّذي يكون فيه، ويسدُّ في المهمَّة المنوطة به، وينجز الأمر المكلَّف به، وله مشاركات عديدة في قطاعات شتَّى في بلادنا تنافسيَّة/ تعاونيَّة/ خيريَّة/ إداريَّة/ أكاديميَّة.
سيرته الذَّاتيَّة حافلة بما يجمل، شاهدة بما يحمل، ولست هنا لأبسط حمده، وأنشر مدحه، ولكنِّي سأحكي حكاية وقعت لي كان سعادته طرفاً صانعاً فيها وقتما كان مديراً عامًّا للتَّربية والتَّعليم في حائل.
أنا لستُ كثير اللقاءات بسعادته لكن جرى لقائي بسعادته في مكتبه شاكياً وراجياً - وللأمرين: (الشَّكوى والرَّجاء) توضيح سيأتي وحكاية - ذلك أنَّه في العام (1426هـ) طمحت نفسي- وكانت ذات هوى قديم في هذا- إذ رغبتُ في مواصلة دراساتي العليا التَّخصصيَّة لمَّا أن سمحت وزارة التَّربية والتَّعليم بذلك، وكانت قبلُ تقصر ذلك على الدِّراسات التَّربويَّة فحسب، وكنت حينها معلِّماً في ثانويَّة حائل فثانويَّة الصِّدِّيق، وقد ألزمت نفسي بتكثيف الالتحاق بالدَّوارات الَّتي تُعقد في مركز التَّدريب بمدينة حائل التَّابع للإدارة العامة للتَّربية والتَّعليم بالمنطقة رجياً أن يتيسَّر لي التَّفريغ للابتعاث الدَّاخليِّ؛ فيمَّمتُ قِبَلَ إدارة التَّدريب التَّربويِّ والابتعاث بالإدارة العامَّة للتَّربية والتَّعليم بحائل، والرئيس ومدير مركز التَّدريب هما وجهتي، وكان مركز التَّدريب خارج الإدارة العامَّة للتَّربية والتَّعليم، كان في الدُّور الرَّابع في متوسطة المزعبر بحائل، وفيه مكتب رئيس التَّدريب التَّربويِّ والابتعاث.
وأمَّا الحكاية فحكايتها حكاية، وحديثها ذو شجون، وهي تحكي غفلة المسؤول أو تغافله عن تحقيق أهداف عمله وربما مناقضتها، والغاية من المنصب الَّذي يشغله وربما مضادتها. وإغفال الأهداف وانعماء الغاية مؤذن بصنع نقيض الأهداف المرسومة وتحقيق أضداد الغايات المقصودة، وما سيأتي يكشف حقيقة قولي هذا، ولا أجدني أفسِّر ذلك بعد ذكري الغفلة أو الإغفال إلاَّ أنَّ بعض المديرين يغلب على ظنِّه أنَّه بتقلِّده إدارة مكانٍ ما تملُّكه ذلك المكان لخاصَّته؛ لذا يسعى لبسط سيطرته ولو كان صنيعه ذلك يؤدِّي أو سيؤدِّي إلى الاتَّجاه المعاكس لأهداف ذلك المكان الَّذي يعمل فيه، وصنعه يحقِّق نقيض الغاية لا يحقِّق الغاية الَّتي يطمع ويطمح إليها من استحدث ذلك القسم ورَسَمَ له أهدافه وغاياته.
أقول لمَّا أن عزمت على الدِّراسات العليا تطلَّب ذلك منِّي أن أفرَّغ للابتعاث لأنَّ دراستي لن تكون في مدينة حائل، ولن أفرَّغ حتَّى تكتمل نقاط محصِّلتي في استمارة الابتعاث الدَّاخليِّ من الدَّورات التَّربويَّة، وكان عدد ما معي من النِّقاط قليلاً، وفي الأمر فوت إذ التَّفريغ الإذن بالدِّراسة العليا في غير التَّخصُّص التَّربويِّ جديد وكان غير مسموح به من قبل، وقد تتغيِّر في السَّنة القادمة.
هذا مع عُلقة أثرٍ السَّنة المنصرمة وما جرى فيها وسيأتي بيان لذلك، والفرصة إذا سنحت لزم اغتنامها؛ لذا ألزمت نفسي بأخذ ما يخدمني من الدَّورات وكفايتي بما يحقِّق مطلوبي من غير إضرارٍ بغيري، ولقد استنكفت عن الدَّورات الصَّباحيَّة لأنَّ في ذلك انقطاعاً عن طلابي، ولا أرغب بالإثقال على زملائي في المدرسة بحصص الاحتياط، ورغبت في التَّسجيل في الدَّورات المعقودة عصراً لذا دوَّنت سبع دورات هي ما يخدمني في ذلك الفصل الدِّراسيِّ.
ومن العجبٍ والمصادفات أن تصبح الدِّراسة في ثانويَّة حائل من بعد الظُّهر، وتنقل إلى مدرسة أخرى لترميم مبناها القديم، فاضطررت إلى الانتقال منها إلى ثانويَّة الصِّدِّيق، ذلك لأنَّ عمل ما بعد الظُّهر لا يناسبني لتعارضه مع وقت الدَّورات في مركز التَّدريب، وأمر آخر طريف عجيب أنَّ إدارة التَّدريب في المركز قد استحدث ذاك العام تنظيماً جديداً داخليًّا من عندهم للتَّسجيل في الدَّورات، وهو أن يقتصر المعلِّم في الصَّباح على دورتين، وفي العصر على (5) دورات وقد كنت أجهل هذا، فلمَّا ذهبت إلى مركز التَّدريب لتسجيل ما اخترت من دورات، والمعروض في ذلك الفصل ما يربو على (17) دورة، والَّذي ناسبني منها سبعٌ، فلمَّا قدَّمت الدَّورات للتَّسجيل، وكان المسجِّل وقتها أستاذ قدير، فلمَّا عرضت عليه ما أرغب في تسجيله سجَّل لي خمساً فحسب، وأبى عن الباقي وقال لي، وأنقل قوله بلفظه: «إذا سجَّلت دورة جديدة باسمك تولِّع لمبة حمرا»، وقال راجع رئيس التَّدريب، فراجعته فقال لي الأمر عند المسجِّل فحاول معه، فعدت إلى المسجِّل، فقال لي من جديد: والله ما أستطيع، فما كان منِّي إلاَّ أن قلتُ له: الحلُّ عندي، والخيار لك: إمَّا أن تعطيني جهاز الحاسوب أذهب به إلى مبرمج يعالج مسألة إضاءة المصباح الأحمر عند التَّسجيل باسمي، وإمَّا أنَّك إذا أنهيتُ دورةً من الدَّورات الخمس تسلُّها من الحاسوب وتسجِّل مكانها الدَّورة السَّادسة فالسَّابعة، فقال لي مزمجراً: حنا نلعب على أنفسنا؟ هذا لفظه، فبهتُ من قوله هذا وأجفلت من زمجرته واستغربت قلتُ له: كيف يكون ذلك لعباً على أنفسنا؟ أنت ذكرت لي أنَّ عندك مشكلة في الحاسوب تجاهي، وأنا ذكرت لك حلولها عندي؛ فأين المشكلة واللعب؟ أنت تريد أن تخدمني وتشكو إليَّ من «اللمبَّة الحمراء» أم في الأمر شيء ما أجهله؟! فقال مصارحاً لي: حلُّ هذا عند الرَّئيس إن رغب في حلِّه، فعند ذلك ذهبت إلى الرَّئيس من جديدٍ، وأظهرت إليه المساءة من هذا الصَّنيع وامتعاضي من هذا التَّلدد، وعدم الوضوح وترديدي بينهما، فسألني عن عدد الدَّورات، وقال: نحن في هذا الفصل استحدثنا شيئاً جديداً وقرَّرنا الاقتصار في التَّسجيل على (5) دورات عصريَّة لكلِّ معلِّم، اثنتان صباحيَّتان، فتغافلت عن أمر التَّلدُّد، وشرعت في مناقشة أمر هذا التَّقييد بعددٍ محدَّدٍ، وذكرت له أنَّ أمر الصَّباحيَّة وتقييدها نفعه أكثر من ضرره؛ لأنَّ فيه دفعاًتعطيل المدارس وتخليتها من المعلمين، هذا بخلاف تقييد الدَّورات العصريَّة بعددٍ معيَّن، ولذا أنبهته أنَّ في ذلك إضراراً بي أولاً، وثانياً: هذا العمل والتَّقييد يسوغ لو كان الإقبال على التَّدريب من المعلِّمين كثيفاً، وثالثاً: إن كان ولا بدَّ فاستثنني من ذلك. فقال لي: نحن نخدم أكثر من (5000) معلَّم، ولن أستثني واحداً دون آخر، وأمَّا أمر الإضرار فإنَّنا سننظر في ذلك ونجمع المآخذ، وربما العام القادم نجعل التَّحديد (7) دورات للمعلِّم الواحد، فقلتُ: من أتاكم بمثل حالي فيستثني مثلي، وعليه فلا تمايز حينئذٍ، وأمَّا أمر تأجيل التَّعديل إلى العام القادم، ففي ذلك خلل إذ الحكمة تقتضي على متَّخذ القرار أنَّه إذا أقرَّ شيئاً وشرع في تنفيذه وتطبيقه وبانت له فيه ثغرات وعيوب أن يعالجها من ساعتها تلك لا أن يجلس على عيوبه وثغراته حولاً كاملاً، ثُمَّ في قابلٍ يصحِّح ذلك ويعدِّله، فقال لي وأورده قوله بلفظه: «الاستثناء لا استثناء، وحنَّا أبخص بشغلنا»، فدار بيني وبينه نقاش ونزاع قولٍ لم يثمر شيئاً ممَّا أرومه، وقد تصلَّب على رأيه، وأبى الاستثناء والاغتفار، هذا مع أنَّ الرَّئيس على علمٍ بحالي العام المتصرِّم، وسيأتي قريباً بيان هذا العِلم. [متبوع]
** **
- د. فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح