وادي حجر(1): وادٍ يقع على جنباته مجموعة كبيرة من القرى، وقيل حَجُرٌ: من الحاجر، وهي الأرض ترتفع جوانبها وينخفض وسطها، كانت تُسمى بالسائرة لكثرة ما يسر بها من الحجيج والزوار من المدينة إلى مكة، وكانت تُسمى بالوِسَيْط لوقوعها في المنتصف بين الحرمين الشريفين.
الموقع: يقع وادي حجر في قلب سراة الحجاز بين سلسلة من جبال السروات تحتضنها الحرات البركانية في إقليم الحجاز، وهو أحد مراكز محافظة رابغ، يقع في الطرف الجنوبي الشرقي من المحافظة، ويمثل حدود المحافظة مع منطقة المدينة المنورة من الشمال، والشرق، ومحافظة خُليْص من الجنوب، يبعد عن رابغ 95 كيلًا.
المساحة الإدارية: تقدر مساحة مركز حجر الإدارية بنحو 1.1236كم، ويضم في نطاق خدماته 36 قرية وهجرة، ومسمى سكاني، ويبلغ عدد السكان حوالي 15401 نسمة.
الخصائص المكانية: حجر منطقة تحيط بها الجبال الشاهقة والحرات البركانية، مما جعل لها أهمية إستراتيجية في حفظها وبقائها على مدى التاريخ، ولم تتأثر بالتحولات الديموغرافية، وتشتهر بوفرة المياه، والزراعة، ويقع ضمن محيطها طريق الزائر، وكانت المنطقة من أعمال المدينة المنورة وأحد منابرها(2)، وأصبحت من أعمال مكة المكرمة، وهي منطقة نشأت قديمًا كنقطة على طريق القوافل القديم بين مكة والمدينة، وبها عيون، وآبار، يرجع عمرها إلى القرن السادس الميلادي قبل الأول الهجري(3)، والذي يظهر أنها نشأت قبل الميلاد، وبها نقوش ثمودية، وعُرِفت هذه المنطقة قديماً كمحطة استراحة للزوار بين مكة والمدينة، حيث يستريح فيها المسافر أيامًا عدة؛ لأنها تقع في الوسط تماماً، ومن تسمياتها (الوسيط). وشُيِّدَت المباني فيها من الطين، والحجر المسقوف بجذوع النخل والجريد والسعف، وكذلك الأبواب والشبابيك، وكانت هذه المنطقة مركزاً تجارياً كبيراً يقدم إليها الناس من كل مكان -وخصوصاً من المناطق المجاورة- في وقت الصيف؛ وذلك لوفرة النخيل بها وجودة التمور؛ لذلك يقدم إليها الباعة من جميع المناطق القريبة والبعيدة، وتوجد آثار تدل على ذلك، ولعل من أهمها وجود القلاع والمباني الطينية والأسواق التي تزاول فيها التجارة، وهذا أكبر دليل على قدم المنطقة وامتداد جذورها في عمق التاريخ، وكذلك وجود طريق الزائر بين مكة والمدينة وما يسمى بطريق الجادة للزائرين، وهو معلم أثري قائم حتى الآن، كما يوجد بطول هذا الطريق على مسافات متقاربة آثار لبعض القبور، وكذلك وجود زوايا للصلاة، أو ما يسمى بالمصلى، كما يوجد جبل بُحْران المشهور الذي يوجد به آثار حفريات معدن قديم، وبه إحدى غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السنة الثالثة من الهجرة، وقد ورد ذكره في مصادر تاريخية عدة: قال ابن إسحاق: ثم رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة ولم يلق كيدًا(4). قال صفي الرحمن: هي دورية قتال كبيرة، قوامها 300 مقاتل، قادها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شهر ربيع الآخر سنة 3هـ إلى أرض يقال لها: بحران -وهي معدن بالحجاز، ولم يلق حربًا(5).
الأودية والروافد: يشتهر وادي حجر بفروع أوديته الكبيرة التي تمثل شبكة من المجاري المائية حفرتها المياه في العصر المطير، وهي أودية جافة في الوقت الحاضر تفيض في وقت هطول الأمطار، ويتكون من أودية عدة تنحدر من سفوح الجبال المحيطة به وتلتقي مع الروافد التي تنحدر من حرة القَرَا شرقًا. وتجتمع هذه الروافد لتشكل مجرىً واحدًا يمتد في الانحدار عبر الحرات البركانية والجبال إلى أن يصب في البحر الأحمر غربًا. ومن أهم والروافد التي تُكوّن مجرى الوادي: عُكاظ، خُسْلِف، الصَّدارة، حَمْ، الضُّمَان، الرَّيّان، أَخْوَان، خَضِرة، نُهَضَة، طَابَة، اللُّصَيْب، يَنَاعِم، الحَلْقَة، الشُّقة، نِدَى.
الزراعة والمناخ: يُعد وادي حجر من أبرز المناطق الغنية بالمياه والأراضي الزراعية، ويمتاز بثبات خصائصه المناخية طوال العام، ويشتهر بمحاصيله الزراعية مثل: التمور، والخضراوات، والفواكه، ويشتهر بجودة تموره وكثرة نخيله، منها: المُتلبن، المشوك، الربيعة، اللبانة، العنبر، الغريف، الهرموزي.
أشهر جبال وادي حجر: جبل رَشْحَان، جبل الجبل، جبل كُحْلة، جبل نَصْع، جبال اللِبون، جبل أُمْ رِيشان، جبل بُحْرَان.
الطرق والمنافذ: يمكن الوصول إلى حجر من أربع جهات هي: طريق خُشَيْرمة من طريق الهجرة السريع، ويبلغ طوله 35 كيلاً، طريق حجر- رابغ، ويبلغ طوله 95 كيلاً، طريق الأكحل عبر قرية مُغَيْسِل، يبلغ طوله 45 كيلاً، طريق ظَبْيَةَ من الخط السريع عبر الحُمَنة، ويبلغ طوله 20 كيلاً.
أهم الأحياء والخيوف: الأبيار، المازنية، الجُوبة: (وبها مركز إمارة حجر)، البرّاق، الضَمُو، عُكَاظ، خُسْلِف، الزُّوَيْراء، الدّفّ، نِدَى: (وهي من ديار الزُّبَالي، وبها الخلّصَة؛ وهو موضع قديم به بعض النقوش والصور على شكل إبل وخيول)، جُلَيْلَة، خيف العِمِري، خيف السُوق، أبو فليْح، خيف الزُبيري، القُصيرية، المَرْخة، خيف يسِير، راين، خيف حُشَيْفات، السُليْمِية، خيف القُويْبل، خيف عُنَيب، التبَّان: (موضع قديم توجد به بعض الخطوط الكوفية)، خيف المَجْرُمة، خيف مَدْسُوس، أُم العِظَام، بُحْرَان: (وبه إحدى غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقعت في شهر ربيع الآخر من السنة الثالثة من الهجرة)، يَنَاعِم، النَبْعة، الضُمان، الرِحَبة، ثُريْر، المُزيْرِع، كُحلة، المِجمر، الزابِن، بَيْنة، الغَمُر.
أهم المناجم القديمة: المناجم الأثرية القديمة التي كانت تُستخدم في استخلاص المعادن القيمة، مثل؛ (الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد)، وعادة ما يكون المعدن في شكل عرق، أو صخور، أو طبقات، ومن هذه المناجم: منجم بْحَران، منجم المُنَوَّرة، منجم المُقْوَس، منجم الضُّمَان، منجم حَمّ، منجم الحْرَان، منجم الهُضَيْبة.
الحصون والقلاع والمباني القديمة: قلعة الحصن، قلعة مُجَمِلة، قلعة زُبَالة، قلعة الحُمَدة، قلعة ابن دُمَيْحَان، قصر إجياد، قلعة الدويان، حصن المناقيش، قصر الحوايصة، قصر الأهدل، قصر المرعشي، قصر القلَيْب، حي الحُمَدة، حي الشعْب. وقد اندثر بعضها وأُزيل، وبقيت أطلال بعضها دون عناية.
الطريق من...؟ القاع - إلى المدينة، مكة: ورد في كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة: ومن سلك الطريق الأخرى على السائرة نزل، وهذه من أودية ولد أبي بكر، وهو من أودية حاذة. ثم ينزل سواء حرة بني سُليم ماءً يقال له قلتة. ثم السايرة، (ثم) خضرة، ثم الفرع ...إلخ(6).
طريق الزائر أو السائر الذي يمر بوادي حجر: عند خروج الزائر من مكة المكرمة لقصد زيارة المسجد النبوي الشريف، فإن أمامه عدة أماكن وطرق وممرات، يعبر من خلالها للتوجه إلى المدينة المنورة، منها أنه يتجه إلى عين شمس، ثم إلى القعرة، ثم إلى عسفان، ثم إلى خُليص، ثم إلى قُديد، ثم إلى وادي ستارة والسُليم، ثم يقطع وادي ثَمْرة، ويتجه إلى الفارع، ثم يستمر بالسير إلى أن يصل جنوب وادي حجر. ويكون سيره في قرى وادي حجر من الجنوب إلى الشمال فبعد أن ينزل من الفارع يصل إلى المُنبطِح في وادي نِدى، ويصعد مع العُرقوب، وينزل عبر تلعة وِسَح، ثم يمر بتلعة وِسَيْحة، ثم ينزل مع ريع يضيق أسفله إلى وادي الغَمُر، ويستمر بالسير إلى أن يصل إلى التقاء أودية (الغَمُر، والتبَّان، والسَّد)، ثم يتجه إلى وادي الصَّدارة، ويستمر بالسير إلى أن يصل إلى قلتة الزائر، ثم يقطع وادي حَمّ، ثم وادي الضُّمَان، ثم المُقَاوِسة، ثم يقطع وادي الريَّان، ويستمر بالسير إلى أن يصل إلى قرية الأبيار، ثم يتجه إلى قرية المازنية، ومنها يتجه إلى قرية الزُّوَيْراء وخيف العِمِري، ثم إلى خيف الزُبَيْري، ثم إلى خيف يسِير، ثم إلى خيف رَاين، ثم إلى خيف حُشَيْفات، ثم يتجه إلى خيف السُّلَيْمِية والقُويْبل، ثم يمُر بوادي أخوان، ويصعد مع نقب الزائر أو مقروع، ويعبر حَرّة بين وادي حجر ووادي خضرة، ويصل إلى خضرة، ثم يتجه إلى قرى وادي الفُرع، ثم إلى الهندية، ثم إلى الأتمة، ثم إلى العشيرة، ثم إلى أبيار الماشي، ثم أبيار علي؛ فالمدينة المنورة. وهناك عدة معالم من الطرق القديمة التي تُسمى (الجواد)، أي: جادة الطريق، التي كانت تسلكها القوافل، ويسلكها السائر المترجل من وإلى وادي حجر، ومنها: درب العَرْقُوب: يقع جنوب وادي حجر، درب خُشيْرمة: يقع جنوب شرق حجر، درب ظَبْية: يقع شرق وادي حجر، درب يَسُوم: يقع شمال شرق حجر، درب البَعْصُوص: يقع شمال شرق مغيسل، درب المَنْصى: يقع جنوب غرب حجر، درب الخويش: ويقع في الشمال الغربي من وادي حجر ينزل من حَرّة الشَّيباء عبر رِيْع الخَشّابي.
العيون القديمة التي كانت تستخدم للريّ: عين الأبيار، عين الجُوبَة، عين المازنية، عين خيف السُوق، عين العِمِري، عين الزُبَيْري، عين يسِير، عين راين، عين السُلَيْمِية، عين الخرماء، عين الطويل. وقد أُهملت جميع تلك العيون واندثرت.
تاريخ البيئة والآثار: يزخر وادي حجر بالكثير من الآثار، ويشهد مساحة جغرافية واسعة، به معالم جغرافية طبيعية وأثرية بشرية لم تكتشف بعد، وبه من الآثار التاريخية الكثيرة، وأرضه بِكر لم تكتشف طبيعتها الأرضية، وحضارتها الإنسانية منذ القدم، وبخاصة الكتابة على الصخور، ونقوش صور الحيوانات، وهي كتابات ضاربة في أعماق التاريخ، ومنها شواهد القبور، ومنها بقايا القرى، ومنها شواهد حدود الأراضي، ومنها بقايا السدود، ومنها الجسور القديمة، ومنها الأشكال الهندسية وتظهر الأشكال الهندسية جلياً في أطراف الحَرْات المحيطة بوادي حجر، وحول الأودية، وتتخذ أشكالاً متعددة منها المُذَيَّلات والمُذَنَّبَات: ويقصد بالمذنبات أو ما تسمى أحياناً بالمذيلات: هي الأشكال الحجرية التي تأخذ شكل دائرة يخرج منها خط مستقيم وط وله متباين، وعند التأمل في صور تلك المذيلات في أكثر من موقع جغرافي تبين وبلا شك أنها بُنيت وشُيدت بطريقة منتظمة، بعضها دائري وبعضها على أشكال تصالبية ترتفع أطرافها إلى نصف المتر تقريبًا، والأشكال الهندسية الحجرية الأخرى عديدة ومتنوعة ومنها: المذنبات المتقطعة، والدوائر الركامية، والدوائر المفرغة (الروابد)، والدوائر المقسمة، والمستطيلات ...إلخ.
... ... ... ... ...
الهوامش:
(1) وادي حجر العراقة والتاريخ، تأليف سعدون بن حسين الزبالي الحربي، تحقيق: بندر بن حسين الزبالي الحربي: (1/ 23-64)، (2/ 125-135).
(2) المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة: تحقيق: حمد الجاسر، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض، 1389هـ، (ص414).
(3) جامعة الملك عبدالعزيز، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم الجغرافيا، لجنة البحث العلمي: إمارة رابغ (دراسة جغرافية ميدانية)، ط1، 1404هـ- 1984م، (ص421).
(4) السيرة النبوية، لابن إسحاق: (1/ 322).
(5) الرحيق المختوم، (ص245).
(6) المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة، (ص94).
** **
- بندر بن حسين الزبالي الحربي