«الجزيرة الثقافية» - مسعدة اليامي:
في كل مجالات الحياة نحتاج إلى صيانة، والنص الأدبي منها، فالناقد يقوم بعملية مراقبة النتاج الأدبي ونقده وصيانته وهو ما يجعل هناك حالة من التفاعل وتحريك الساحة جنباً إلى جنب المبدع، ومهمة الناقد لا تقتصر على إخراج سلبيات النص، بل أوسع من ذلك فمهمته أيضاً استخراج لآلئ النص وجمالياته وتقديمها للمتلقي ذلك ما ألقى الظلال عليه الأستاذ موسى الثنيان إثر حديثه لـ»الجزيرة الثقافية».
* الموهبة تكفي أو كيف تؤثث حتى تنضج الثمار؟
- يجد المبدع نفسه منجذباً نحو قالب فني معين، ويؤثث المبدع موهبته من خلال التجارب والقراءة المتنوعة، إذ تساهم كثيراً في إنضاج الثمار وإلا بقيت حامضة غير ناضجة.
* ما حكايتك مع القصة ومتى سهرت تحت ضوء مصباحها؟
- حكايتي مع القصة قديمة، فقبل الانتقال إلى فعل الكتابة، كان الخيال في رأسي خصباً للغاية، كنت أنسج القصص في مخيلتي وأكوّن الشخصيات وما إلى ذلك من تسلسل في الأحداث، كما أنني كنت شغوفاً إلى الاستماع إلى الحكايات الشعبية التي ترويها لنا أمي قبل النوم التي كان لها الأثر الواضح في كتاباتي خاصة في مجموعتي القصصية الثانية, سوابيط مظلمة.
* أنتَ من أشعل قنديلك القصصي أم أن هناك من دفع بك إلى ذلك؟
- هناك عدة قناديل، أولها دافع الشغف بهذا الفن، وثاني هذه القناديل هو أحد أقربائي الأستاذ علي بن صالح آل ثنيان كان أول من سعى إلى أن لا تنطفئ شعلة القنديل من خلال تشجيعه لي والاستمرار في الكتابة.
هذا كان في بداية مشواري الأدبي، أما القنديل الثالث كان في المرحلة الثانوية فكان الملتقى الأدبي للطلاب الذي أشرف عليه أحد معلمي اللغة العربية الأثر في التطوير الفني لتجربتي الأدبية، وآخر قنديل هو الأستاذ عبدالله الخميس -رحمه الله تعالى - فقد ألهمني الكثير وزوّدني بالكتب والمراجع التي تتحدث عن كتابة القصة القصيرة، وكان هو أول من يطلع على نصوصي القصصية قبل نشرها لنقدها وتمحيصها.
* القصة بحر عميق كيف تعلمت السباحة وماذا كانت أدواتك؟
- قرأت عدداً من الكتب التي تختص بتقنيات كتابة القصة وقد استفدت كثيرًا من مكتبة الملك خالد في جامعة الملك سعود، إضافة إلى قراءة الأعمال التي تعتبر نموذجية في هذا المجال من الأدب العالمي والعربي.
والآن في عصرنا الراهن تنوّعت أشكال الكتابة وتقنياتها وهذا مؤشر رائع في قدرة القصة على استمراريتها وإبداعها.
* قبل أن تخرج لؤلؤتك الأولى عن البحر بما أثريت عقلك وكيف انتصرت لموهبتك من التردد والقلق؟
- كحال أي كاتب ينتابه التردد والقلق لوليده الأول في دخول معترك الكتابة والإنتاج الأدبي في الساحة الثقافية، فالعمل الأول هو البصمة الأولى التي يتركها في أثر المتلقي إما تترك أثرا ًطيباً أو يكون داعياً للنفور من إنتاجه.
وفي نظري هذه حالة صحية أن يبقى الكاتب على قلقه ذلك لأن هذا الشعور يجعله أكثر حرصاً على نتاجه والاستمرار على تطويره والإبداع فيه.
* كم من الوقت تمضي مع خير جليس وما أنواع الكتب التي تقرأ؟
- قراءة النصوص القصصية والروائية كما تستهويني قراءة الكتب والمقالات النقدية في الأدب فهي تنمي فيّ الخيال وتساعدني على تطوير أدواتي الفنية.
* أي أنواع القصص تكتب (الاجتماعية, العاطفية, الرمزية, الواقعية, التاريخية وهل هناك اختلاف كبير في كتابة تلك القصص, وما النوع الذي تميل إليه؟
- في مجموعتي القصصية الأولى, قيامة الورق, كانت أكثر موضوعاتها تتركز على الجانب الاجتماعي والإنساني (الإنسان المهمش)، أما في مجموعتي القصصية الثانية سوابيط مظلمة, يغلب عليها الطابع التاريخي واستعمال الموروث الشعبي.
وأما الأنواع كمصطح فهناك فروق في تعريفاتها ولكن من حيث تطبيقها ففي الإمكان دمج أكثر من نوع في نص قصصي أو رواية فليس هناك حدود دقيقة فاصلة بينها من الناحية التطبيقية، ففي استطاعت المبدع أن يتوسل التاريخي كرمز في تمرير فكرة اجتماعية أو من خلال الاستعانة بقصة رومانسية وهكذا.
* كيف رأيت المشاركة في الأمسيات القصصية الافتراضية التي شاركت من خلاها أو استمعت لها؟
- مفعول المشاركات الافتراضية كانت جميلاً ورحبًا وهيأ للمبدعين مقابلة بعضهم بعضا عن بعد ربما ما كان لهم أن يتقابلوا يوماً ما بسبب البعد الجغرافي، هي تجربة أراها ناجحة وإضافة للمشهد الثقافي وجعلت المبدعين من كافة أنحاء الوطن العربي يتبادلون فيها الخبرات والنقاشات الفكرية والثقافية. وتبقى الأمسيات الحضورية لها ميزاتها وأفضليتها أيضاً.
* الناقد رقيب مرحب فيه أم أن لك رأياً آخر في تلك العملية؟
- في كل مجالات الحياة نحتاج إلى صيانة، والنص الأدبي منها، فالناقد يقوم بعملية مراقبة النتاج الأدبي ونقده وصيانته وهو ما يجعل هناك حالة من التفاعل وتحريك الساحة جنباً إلى جنب المبدع، ومهمة الناقد لا تقتصر على إخراج سلبيات النص، بل أوسع من ذلك فمهمته أيضاً استخراج لآلئ النص وجمالياته وتقديمها للمتلقي.
* الإبداع وحي أم أنك تعمل وفق رؤية أنت تعملها لإنتاج الأعمال القصصية؟
- الأفكار ملقية على قارعة الطريق وعلى الكاتب أن يلتقطها ... هذه مقولة شهيرة وواقعية فيأتي كاتب ينوع في موضوعاته في الإصدار الواحد، ولكن هناك من المبدعين من ينتهج رؤية تشكِّل له هاجساً يسير عليها وتكون له منهج يعرف به الكاتب به.
فالمبدع من يستطيع أن يكوّن له بصمة خاصة به من خلال تقديم رؤيته ونسج قوالبه الهندسية العصية على التكرار.
* الكاتب الذي يأتي من بيئة تضخ بكتاب الإبداع القصصي ما مصيرهُ وما الفائدة التي تعود عليه من ذلك وهل ترى أن تلك بيئة صحية؟
- من خلال وجود الأقران يولِّد الإبداع والإصرار على التطور وتقديم الأفضل، والسعي على التمايز، بالطبع الكتابة الأدبية ليست منافسة أو صراع على التقدّم على الآخر كحال المنافسة الرياضية مثلاً، فليس هذا المقصود طبعاً، فالكتابة هي هاجس يعتري الكاتب شغفاً وحباً للكتابة، هي إذكاء لنار الأدب والثقافة وإبقائها مشتعلة، ووجود الأقران حافز دوماً على مواصلة الإبداع خاصة إذا كانت هذه البيئة إيجابية تقدّر ما يكتب المبدع. بعكس إذا كانت البيئة خالية من الكتَّاب أو من المهتمين بالأدب والثقافة بصورة عامة.