«الجزيرة الثقافية» - مسعدة اليامي:
لا أعرف قوة قادرة على صنع المعجزات والخطط والعمل عليها كما هذه الكلمة السحرية «الشغف»، ما أن تحب شيئاً حتى تخصص له جهودك ووقتك، وتظل تضرب عصاك حتى ينشق بحر الصعوبات والمسؤوليات وتعبر الطريق من خلال ذلك تكشف لنا الأستاذة إستبرق أحمد عن العصا السحرية الخاصة بها عند كتابة الفنون الأدبية القريبة إلى قلبها.
* كيف كنت تبحثين عن لؤلؤة الإبداع الخاصة بك؟ ومن ساعدك على الحصول عليها ووضعها حول عنقك؟
- الأسئلة الوجودية بالدرجة الأولى هي ما أستحضره حالياً كمحرض وحزمة أسئلة أخرى أخذتني إلى جزيرة الكتابة، سبقتها بالتالي عدة محاولات في مسارات أخرى، كنت أشبه بالبحّار القلق في سفينة تائهة يترقب اليابسة، لذا ما أن بدأت تحوم نوارس المحاولات حتى أدركت أنني عرفت الأرض التي أنتظرها، أما الوصول إلى ضفة الإبداع، فهي مسئولية كبيرة جداً أسعى إليها كما غيري ولا أدعي سوى أنني مستمرة في البحث عن صوتي في الزحام، كما أن بيتا به مكتبة أب يحب القراءة وأم حريصة على تميّز الأبناء كان أعظم دافع للبحث.
* عندما أبحرت تحت سماء الإبداع هل كان الجو عاصفا؟ وكيف تمكنت من إدارة دفة سفينتك إلى الأمام دون الرجوع إلى الخلف؟
- أظن أي كاتب أو فنان أو أي مشتغل في مجال الفنون لا تتوقف داخله زوابع الأسئلة، لا يهدأ عن تتبع التجارب الجديدة، ومحاولة الاكتشاف وارتياد المشقة، لذا مضيت بتشجيع من دائرة الأهل والأصدقاء والكتّاب، الذي يحدث لاحقا أنني أوفق بالنتيجة وأحيانا سقف توقعاتي للنص يكون معاكسا لما اشتهته سفن الذات، آنذاك أرتبك قليلا لكنني لا أسمح للأفكار السلبية أن تتكاثر، ذلك لأنني لم أنشر نصا إلاّ عن اقتناع ورغبة بأن يقول شيئا، ما يتبع ذلك من استحسان أو رفض يعنيني دائما في حدود المسموح به ولم أصل إلى ذلك إلا بعد وقت طويل، لذلك النقد والآراء متى ما كانت متوازنة وموضوعية حظيت باحترامي وتقديري الكبير فهي تجعلنا نتقدم أكثر ولا نترك الدفّة.
* بعد التحليق من مكان إلى مكان كيف ترين أثر ذلك على هويتك القصصية والروائية؟
- الانتقالات بين القصة والرواية والنص المفتوح، يروّض لغتي، فما بين الجملة المكثفة إلى الجملة الأكثر طولا وكشفا إلى الجمل الإيحائية ذات الشعرية العالية، وأيضا استخدامي للعديد من الفنيات والعناصر والمكونات له انعكاساته في تجربتي، ودعيني أخبرك عن أول تجربة في كتابة الرواية، قاربتها بتردد، ثم تركت أفكاري تنساب، فكان «الطائر الأبيض في البلاد الرمادية»، رآه البعض كرواية والبعض الآخر كمتوالية قصصية، أما أنا فكتبت نصا حاضنا لفكرتي أردته رواية، أمرر بها للقارئ رموزا وأحجيات وقصصا عن أشياء تهمنا، نص مغامر يتوجه إلى دائرة ناشئة والكبار معا، وكل نص هو مخاطرة تبذل جهدها للتجاوز والتجاور مع نصوص أخرى لها قيمتها، لذا حاولت سواء بالكلمة أو اللون الذي قدمته الفنانة التشكيلية «إيناس عمارة» بكل ذكاء وإتقان وبراعة أشكرها جداً عليها، مكملة النص ومؤكدة على اختلافه عن تجاربي السابقة وهذه الانتقالية جعلتني أيضاً أكثر تحرر وإيمان بالتجريب.
* الموهبة وحدها تكفي أو لماذا تحتاج خاصة في بحر القصة والرواية؟
- أجلس على جبل التأمل وأفكر بأسماء كانت متجاوزة ورائعة وغنية، أفتقد أكثرها لأنها ذابت في زحام إهمال موهبتها، الموهبة موقد لن يزداد استجابة في الاشتعال إلاّ حين نضع حطب القراءة، الشغف، الثقة فيستوي النص وينضج أكثر.
* كم من الوقت تمضين بصحبة الكتاب؟ وأي أنواع الأدب تقرئين بكثرة؟
- يعتمد ذلك على نوعية الكتاب ووقت ومزاجية إستبرق ووعيها، هناك كتب عميقة وغيرها ككوب ماء بارد، هناك كتب مثل بئر تسقط دلوك فيطالبك بالمزيد من الجهد أو كتب كالمحيطات تشرب منها وتزيد عطشا، عموما أقرأ الروايات أولا يتبعها القصص، والكتب الفكرية والفلسفة أما الشعر فأصبح في المرتبة الأخيرة بعد أن كان أولوية، ولاحظت في السنوات القليلة أن الكتب صغيرة الحجم لها من التكثيف ما يجعل وقت قراءتي لها لا يختلف عن الكتب الضخمة.
* قراءتك للحركة الثقافية الافتراضية التي تسببت فيها كورونا.. وهل تتوقعين أن يكون هناك مستقبل للأدب الرقمي؟
- نتاجات الثقافة الافتراضية موجودة بالفعل في السابق، وتمت مناقشتها عبر كتب منها ما تناولته الكاتبة الناقدة المغربية «زهور إكرام» وتوقعاتها بوجود مستقبل وقدرة ترويجية للإبداع مع وضرورة التوازن حتى لا ينعكس على الإبداع بشكل سلبي فيتم افتعاله، والحقيقة أجد ازدياد الاتجاه للفضاء الافتراضي بعد الجائحة أحد أهم مبرراته أنه الحل الأجدى للبعض، في ظل وضع تردي دور النشر وإلغاء المعارض، وقد كدت أن أنشر كتابا إلكترونيا بعد إغلاق الدار التي اتفقت معها، ولولا تمسكي بالكتاب الورقي لما ظهر للنور، ربما يرى البعض هذا الإصرار «تقليدية» وقد يكونوا محقين لكنني ما زلت من جمهور هذا الورقي، حتى لو قرأت كتب إلكترونية عديدة.
* كيف أبحرت إلى الرواية؟ وهل كان الطريق شائكا أم ممهدا؟
- أعشق القصة القصيرة، أتخيلها لعبتي الأولى والأثيرة، أشبه بأم حنون/ شجرة، أما النص المفتوح والرواية فهما أقارب من الدرجة الثانية، وإن ظل النص المفتوح سهلا شديد الاخضرار، والرواية غابة عظيمة وكلاهما مغريان. وفيما يخص الرواية بالذات فقد كنت أعرض على أصدقاء خلال نمو النص واشتغالي به، وكنتيجة لهذه الآراء المشجعة تغلبت على وحوش الغابة فكان النص الروائي الأول، و سيتبعه رواية جديدة أعمل عليها حاليا.
* الروائية هل فعلا هي مشغولة بقضايا بنات جنسها أكثر من الجنس الآخر أم أنها مهتمة بالقضايا الإنسانية دون تميز؟
- هي خيارات الكاتبة، أتفهم هذا السؤال لأن المرأة تعاني عبر التاريخ من تغييب صوتها وحقوقها، وأن الكتابة في قضايا المرأة أمر له أولويته لدى الكثير من الكاتبات، وأحييهم على ذلك فهو طريق الأشواك، بالنسبة لي أهتم أكثر بالقضايا الإنسانية دون اقتصار كتاباتي على قضايا المرأة فقط، وإنما على إنسان موجوع لا يتفلّت من الظلم ويتم الافتئات من حقوقه وقد أصل إلى أنسنة الجماد.
* في ظل كثرة المسؤوليات التي تقع على عاتقك, كيف تمكنت من شق طريقك في بحر الإبداع؟
- لا أعرف قوة قادرة على صنع المعجزات والخطط والعمل عليها كما هذه الكلمة السحرية «الشغف»، ما أن تحب شيئا حتى تخصص له جهودك ووقتك، وتظل تضرب عصاك حتى ينشق بحر الصعوبات والمسؤوليات وتعبر الطريق.
* شاركت في العديد من الأمسيات الثقافية الافتراضية سواء كانت قصصية أو حوارية ما رأيك بذلك؟
- صحيح شاركت واستمتعت، تفاوتت وتنوعت هذه اللقاءات بحسب الموضوع والمحور الأساسي المطلوب الحديث عنه، أتمنى أنني كنت جيدة في استيفاء الإجابات، خاصة أن الأحاديث الشفاهية أحيانا لا تجعلك أمينا أو قادرا على استكمال الفكرة كاملة.
* بعد أن أصبحت مدركة لموهبتك هل أصبحت تضعين لنفسك رؤية مدروسة تنجزين خلالها أعمالك الإبداعية؟
- كنت سابقا أنتظر الإلهام والقراءة، ما زلت أثق بالقراءة لكني لا أفكر بالإلهام، فالكتابة تعطيك على قدر ما تعطيها من اهتمام, فكرة بديهية همست بها صديقة وغيّرتني, لكني لا أدعي أنني أكتب يوميا، أو أنني أحرك قلمي بمقالات تساعد على مرونته، إنما أحاول ألا أنقطع لمدد طويلة، وألا أفكر بالنتائج كالسابق، حاليا بودي أن ألعب أكثر وأستمتع، وألا أجلد ذاتي أكثر من اللازم.
* حدثينا عن حال الحركة الثقافية اليوم بالكويت وما أهم الإنجازات الثقافية التي ساهمت من خلالها المرأة؟
- مخاضات وحراكات دائمة في الحركة الثقافية، وغالبا بعيدة عن المؤسسات الرسمية، بمعنى لم تعد مثلا رابطة الأدباء أو منتدى المبدعين الخاص بالشباب الذي تأسس فيها منذ 2001 وخرّج أسماء كنت منها ولودا كالسابق، وأظن أن هناك العديد من المشاريع الخاصة كمشروع تكوين أو منصة الفن المعاصر أو صوفيا أو نوادي القراءة تساهم بإبراز شباب مثقف يمتاز بتجربته، وللمرأة دور حيوي في تأسيس والمشاركة في العديد من هذه المشاريع وابتكار أنشطة مدهشة لا تستطيع المؤسسات الثقافية تقديم جزء من الحرية التي تمارسها هذه الأماكن.
* ماذا أنجزت خلال فترة الحجر الصحي من أعمال أدبية؟ وهل ستظهر للنور أعمال جديدة؟ وفي رأيك هل يستحق أن يسمى ما نتج من أعمال نتيجة الجائحة أدب عزلة؟
- ببداية الجائحة كنت أكثر تركيزا في القراءة والكتابة، وانتهيت من كتاب قصصي مشترك مع كاتبتين عزيزتين هما سوزان خواتمي وأفراح الهندال بعنوان «مرصد المتاهة» وأصدرته دار تكوين 2020، كتاب قائم على فكرة أظنها مبتكرة، إذ نبحث عن خبر حقيقي لندخله إلى «فرن الخيال» لتظهر نصوص بنكهات مختلفة للخبر، وذهب نصان من هذا الكتاب لمشروعين مشتركين أحدهما كتاب «شهود من أهلها» مع عدد من الكتاب وكتاب إصدار الآن، ناشرون «الأردن» 2021 والثاني «آفاق جديدة للقصة العربية « إصدار دار ميتا بوك «مصر» 2022، وسيشارك في معرض القاهرة هذا العام، وكنت أعددت أيضا كتاب «زوايا السرد» 2019 لكنه صدر هذا العام وسيكون في معرض مسقط، ولدي حاليا مراجعات نهائية لكتاب للناشئة. أما القول بأدب العزلة، فلا أعرف إلاّ أنها لم تكن عزلة اختيارية بل إجبارية تقطعها التكنولوجيا أي كانت عزلة مغايرة عما نعرف.
* وباء كورونا ظاهرة عالمية فهل تتوقعين وقع مثل هذا الحدث على كتاب الرواية والقصة عالمينا وعربياً؟ وهل سيحدث انفجار هائل في كتابة القصة والرواية عن ذلك الوباء؟
- رأيت روايات عن الجائحة وشاركت بكتاب «شهود من أهلها- أحاديث الجائحة» كانت ديمقراطية تناولنا للجائحة هو ركيزته، كتبت قصة قصيرة لتلحق بكتاب «مرصد المتاهة» ومن ثم الكتاب الذي أشرت إليه، الوقت يعطيك فائض للعمل، ولا أظن أن الوباء سيكون المسيطر على النصوص إلاّ إن أمضينا المزيد من السنوات معه.
* خلوة الروح من أجمل الخلوات التي تعيد صفاء الذهن، أنا يا خلي ما قصرت مير البخت فيني قصر, ما هو الفن الذي يطرب روحك فيخلو بها شيء من الوقت؟
- القراءة بالدرجة الأولى، والسينما بالدرجة الثانية، ولو كان السفر فنا فإنه سيكون بمحاذاة القراءة فهو يبدّل روحي ويجعلني قادرة على الاستمتاع والاستغراق بحياة أخرى أغنى.