أ.د.عثمان بن صالح العامر
من الظواهر الاجتماعية المؤذية، والتي لا بد أن يمتد أثرها ليشمل المجتمع بأسره طال الزمن أو قصر، ظاهرة الطلاق، وتوابعه من خلع، وفسخ، وعدم توافق بين الزوجين داخل أروقة الأسرة، وأرقام وزارة العدل، وما نسمعه من المحامين والمصلحين، وما يرد لجمعيات الإصلاح الأسري، وما هو منظور لدى محاكم الأحوال الشخصية، وما يكتب ويتحدث عنه سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في اللقاءات العامة والجلسات الخاصة وما هو في المحيط الاجتماعي لكل واحد منا.. كل هذا الزخم المخيف لهذه الظاهرة التي صارت ككرة الثلج المتدحرجة ينذر بخطر مستطير لا سمح الله.
ومع تعدّد الأسباب، وكثرة الكلام حولها من قبل أهل الاختصاص الوطنيين الأوفياء لهذا الكيان العزيز، إلا أنني شخصياً أعتقد أن السبب الرئيس يكمن في تحول العلاقة بين الزوجين من كونها علاقة تكاملية إلى علاقة تنافسية، وتبدل الأدوار داخل الكيان الأسري، وجوهر الأمر ومكمن الداء في هذا وذاك سيادة (مبدأ البراغماتية المادية) بين طرفي المعادلة (الزوج والزوجة)، هذه الفلسفة المصلحية النفعية الرابطة في عمقها الدلالي بين (الحقيقة، والعائد الذاتي المتحقق) التي تسرَّبت إلى داخل بيوتنا هي القاعدة والأس لهذه الظاهرة محل الحديث، فالحقيقة في نظر منظريها متحركة وليست ثابتة، ومنها حقيقة الوجود الأسري، فمتى أثبتت التجربة الحصول على منفعة ذاتيه تفوق المنفعة المتحققة سلفاً في حياة العزوبة والعنوسة فهي حياة نافعة يجب الاستمرار معها والمحافظة عليها، وإن كان الأمر خلاف ذلك أو أنها صارت عائقاً ولو شكلياً في ممارسة ما يمكن أن ننعته تجاوزاً (حرية شخصية) وترتب عليها مسؤوليات اجتماعية جديدة فهي لدى البراغماتيين خلاف الحقيقة التي يجب الاقتناع بها على أنها حقيقة ويجب التخلّص منها، وهذا خلاف التأصيل الشرعي للكيان الأسري في مرجعيتنا الدينية، حيث المودة بين الزوجين وإن فقدت أو ضعفت لسبب من الأسباب فالرحمة مكانها.
إننا بحاجة ماسة إلى تخفيف وقع هذه الظاهرة على بيوتنا، على مجتمعنا، فمن رحم مثل هذه الظواهر قد تولد مشاكل مجتمعية معقدة سواء كان منشؤها الزوجين المفترقين، أو كانت من الأبناء والبنات الذين ينشؤون في ظل أسرة مفككة.
بصراحة محزن جداً أن تسمع عن مطالبة فتاة حديثة عهد بزوج الخلع لا لشيء إلا لمنعه إياها قضاء ساعات من ليل مع صديقاتها خارج بيت الزوجية إما في كوفي أو سوق أو... أو أنك تقرأ عن شاب طلق لأن زوجته تطالبه بأن يستشعر مسؤوليته الجديدة فلا يبقى خارج بيته حتى ساعة متأخرة من الليل.
يجب أن نتربى نحن الكبار ونربي الأولاد والأحفاد على أنه لا يمكن أن تجمع بين أن تعيش عزوبياً وفي ذات الوقت رباً لأسرة، فهناك واجبات أسرية وحقوق زوجية على الطرفين (الشاب والفتاة) التعرّف عليهما قبل اللحاق بقوافل المتزوجين، ومن ثم القيام بهما على أتم وجه وفي أحسن صورة بعد الزواج، حتى يكون السكن الموعود وتتحقق المودة ويسود الحب (الفردوس المفقود) لدى البعض من أسرنا الحديثة للأسف الشديد، ونقي أبناءنا وبناتنا مخاطر الخلع أو الطلاق، وهذا لا يتأتي دون أن نغرس فيهم توطين النفس على المكاره، ونلغي من أذهانهم التصور الوردي للحياة الجديدة التي هي بين مد وجزر، فيها جمالياتها ولا تخلو من منغصات ومكدرات يجب أن نحسن التعامل معها واحتواءها، يجب أن نعلمهم أهمية الاستقرار والطمأنينة الذاتية بعيداً عن التقليد والمحاكاة للغير، والضجيج الإعلامي الخدّاع الذي هو السراب بعينه، فالحياة الأسرية وعيش الأطفال في حضن الأم، ورعاية الأب هي السبيل الأمثل بعد عون الله وتوفيقه لتحقق مستقبل مزهر لهم يتمناه كل أب وتنشده كل أم، بل كل قبيلة وعائلة لأفرادها، وهو ما ينتظره الوطن العزيز منهم ومنا نحن الآباء نحوهم ونحو كل من تحت يدنا من طلاب وطالبات وأقارب وقريبات، وإلى لقاء، والسلام.