تلقيت ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة الأخ العزيز.. المربي الفاضل إبراهيم بن عبد الله الهلال إثر نوبة قلبية عن عمر يناهز 68 عاماً، والفقيد -غفر الله له- كان صاحب خلق رفيع وابتسامة دائمة واستقامة في القيم التربوية الأصلية والشيم الفضيلة.. أكسبته شخصيته المتزنة وروحه الاجتماعية العالية حُب جميع الأقارب والأصدقاء وكل من عرفه عن قرب.. لنُبل تعامله وإحساسه الإنساني المرهف وطيبة قلبه وسلامة سريرته وبشاشته العفوية التي دخل بها قلوب الأحباب والأصحاب بلا استئذان أو خجل..!
علاقتي مع فقيدنا الغالي (أبو عبد الله) رحمه الله بدأت قبل أكثر من 45 سنة عندما تجوارنا في حي الفوزاني (سلام) أحد أشهر الأحياء القديمة بوسط العاصمة الرياض وكنت صغيراً أركض في مرحلة الطفولة، وكان الراحل في العشرينيات من عمره وكان كلما قابلني بالحي يسلم ويبتسم ويحثنا على الصلاة واحترام الوالدين والاهتمام بالتعليم, وكان صاحب كرم مع الجميع من سكان الحي سخي العطاء والجود، وأتذكر جيداً عندما تخرج من معهد المعلمين في منتصف التسعينيات الهجرية تم تعيينه في مكة المكرمة معلماً وانقطع التواصل بيننا, خاصة بعد مغادرتنا للحي والانتقال لحي آخر في حي الحبونية أواخر تلك الحقبة وبعد سنوات طويلة التقيت به في إحدى المناسبات, وتحديداً قبل ما يقارب العشرين عاماً وكانت فرحتي لا توصف بأن ألتقي مع معلمي وأخي الأكبر المثقف أبي عبد الله، بعد فراق دام 25 سنة وتواصلنا في زيارات مستمرة.
كان أخي الراحل يعتبر من المثقفين القدماء في العاصمة الرياض حيث يمتلك مكتبة نادرة من كتب الأدب والثقافة والشعر ومجالات وصحف قديمة تعب في تجميعها وشرائها من كل بلد يسافر إليه خلال نصف قرن من الزمن، كان محباً للتراث الأصيل وحرصه على زيارة المتاحف التي تحكي ثقافة الشعوب والأمم, ولا غرابة من اهتمامه -يرحمه الله- بالثقافة والعلم والأدب فقد عمل في قطاع التربية والتعليم أكثر من ثلاثة عقود زمنية، كان محباً للقراءة والاطلاع الواسع حتى أنه كان يقول (الكتاب أحد عناصر الحياة وإدراك محتواه متعة). ويحث على القراءة سواء لطلابه أو حتى أقاربه وزملائه كان نموذجاً في سمو أخلاقه وعمق ثقافته وسلامة المبدأ التربوي الذي كان يجعله متسامحاً مع غيره، ومتصالحاً مع ذاته لأنه كان يؤمن بمبدأ (ليس من الحكمة صناعة الأعداء) وكان بقيمه الأصيلة يتجاهل.. ويسامح.. ويتنازل.. ويبتسم من أجل حبل المودة حتى مع أولئك الذين اختلف معهم في وجهات النظر..!! ولذلك لا تجد له مبغضاً أو كارهاً، والكل مجتمع على محبته والثناء عليه لرسوخ الخصال السليمة والشمائل الحميدة التي نافح على الثبات عليها، والمحافظة على المكارم التي حازها طوال سنوات عمره. عاش فقيدنا الغالي (أبو عبد الله) في أسرة معروفة بعمق تاريخها الأصيل في المجتمع النجدي ومن الأهالي المعروفة التي شاركت في خدمة الوطن فكانت أسرة (آل هلال) من عوائل الرياض المعروفة بولائها للوطن وحكامه.. ورغم المكانة الاجتماعية والحالة الاقتصادية لأسرة الفقيد لم تزده إلا خلقاً وتواضعاً ونبلاً ورقياً في التعامل مع الصغير والكبير.
فما أصعب فراق الأحبة وفقدانهم الأبدي عن هذه الدنيا الفانية وما أصعب غيابهم عن نواظرنا وهم من كان يشكل قطعة من الحب والفرح والسعادة والبهجة في هذه الحياة وإن غاب أستاذنا في القيم التربوية والثقافية (إبراهيم الهلال) ورحل عنا وبات تحت الثرى, فإن ذكراه الطيب وسيرته العطرة باقية ردحاً من الزمن تتعطر بها الألسن التي عرفته.
نسأل الله العلي القدير أن يغفر لفقيدنا الغالي (أبي عبد الله) ويسكنه فسيح جناته, ويلهم أبناءه وزوجته وأسرة الهلال الصبر والسلوان.. والحمد الله على قضائه وقدره.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- منصور بن محمد الدوس