مشعل الحارثي
لقد لمست وغيري معاني الطيبة والسماحة والحياء مجسدة في شخص معالي الأستاذ الدكتور محمد سعيد رضا عبيد الذي أول ما تعرفت على شخصه الكريم من خلال جامعة الملك عبدالعزيز بجدة التي كنت أحد طلبتها في الفترة التي كان هو مديراً لها، وكم شدني في ملامح شخصيته تلك الطيبة والتواضع الجم التي تجلت لي من خلال لقاءاته بنا كطلاب في محافل ومناشط الجامعة المختلفة ورأيت مدى قربه من الطلاب وحرصه عليهم والاستماع إلى مطالبهم وشكاويهم ومقترحاتهم إلى جانب ما لمسته في معاليه من معاني الأبوة ومهابة المربي، والموجه الأمين، كما شهدنا في تلك الفترة تحول جامعة الملك عبدالعزيز إلى ورشة عمل كبيرة من أعمال البناء والتعمير وإقامة المنشآت والمباني الحديثة وتعدد الأنشطة والفعاليات.
وبعد مرحلة التخرج والانخراط في العمل الحكومي تعددت اللقاءات بمعاليه في الكثير من المناسبات الرسمية والعلمية والثقافية والاجتماعية وكنت في كل مرة ألمس في معاليه ما يعزز تلك الصفة وذلك الخلق الرفيع حتى صدق فيه قول الشاعر العراقي الراحل زاهد زهدي:
تساميت علماً فنلت العلا
وبالحب حزت قلوب الملا
وأنت الكريم بأخلاقه
نقي الصفات نقاء الندا
وأنت السماحة إذ ترتقي
فلم تدري ما الكيد أو ما الأذى(1)
ويقول عنه معالي الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق رحمه الله: إن أستاذنا الشيخ الدكتور رضا محمد سعيد عبيد رجل تميز بالخلق الكريم الطيب، وبنبل النفس، ومكارم الأخلاق، والقدرة على التعامل مع الناس بأدب جم، وروح سامية، وهو رمز من رموز الخير والبر والتقوى، ومن رجالات البلد العاملين الصادقين الذين يعملون في صمت وصبر وصدق وإيمان واحتساب عند الله عز وجل، ويضيف معاليه: وأحسب أن أساس نجاح أستاذنا الدكتور رضا عبيد وما يتمتع به من سمعة عطرة ووجاهة وقبول واحترام عند الناس أنه يتمتع بقلب سليم فهو لا يحقد على أحد ولا يحسد أحداً، وكانت يده نظيفة لم تمتد إلى حرام، فكسب بذلك احترام كل الذين عمل معهم أو عملوا معه.
ومعالي الأستاذ الدكتور رضا عبيد شخصية علمية وإدارية متمكنة سعى للتميز برؤيته الثاقبة وعمله المتواصل لتحقيق رسالة وطنية سامية منحته الريادة في التميز الأكاديمي والتميز العلمي النوعي كعالم متميز في تخصصه (الكيمياء الفيزيائية) وفيما قدمه من إضافة علمية مهمة للبشرية جمعاء في حياته العلمية بما توصل إليه من نتائج بحثه في مرحلة الدكتوراه حول إحدى الظواهر الفيزيائية التي عجز نظراؤه على مستوى العالم عن فك شفرتها وأمضى في البحث والتفكير فيها ما يقارب ستة شهور حتى هداه الله للوصول لنتائج المرجوة واستحق عليها التميز ونيل ثناء وتقدير جامعة برمنجهام البريطانية التي كان يدرس بها وانعكس ذلك في التعجيل واختصار سنوات دراسته العلمية لنيل درجة الدكتوراه.
ولذلك فمعاليه يمثل طاقة علمية كبيرة في بلادنا لم تستثمر كما يجب وفي ذلك يقول عنه الراحل الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الشبيلي رحمه الله (بأنه شخصية تعليمية وطنية رائدة وعالية التأهيل وكان ينبغي أن يستفاد من خبراته وعلمه وأقدميته إلى أقصى حد ممكن).
ويضيف قائلاً: أجزم أن المركز الوطني للعلوم والتقنية الذي تبنى في عهده فكرة الاستفادة من الطاقة الشمسية وكذا جامعة الملك عبدالعزيز وبخاصة تفاقم مشكلة الاختناق قد خسرتا في تركه كفاءة قيادية حيوية ذات علاقات متميزة أفادت هاتين المؤسستين ورفعت من مكانتهما وإنجازاتهما في عهده كمشروع المدينة الجامعية والمستشفى الجامعي وأعتقد مخلصاً أن مجتمعنا أبعد ما يكون عن الاستغناء عن أي كفاءة نادرة، فكيف إذا كانت بقدراته وانفتاحه ونوع دراسته ونشاطه، ناهيك عن تكريمه بوصفه رمزاً وطنياً للمتخصصين السعوديين النابهين المخلصين(2).
ومعلوم أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تأسست بموجب المرسوم الملكي الصادر في 18 ذي الحجة 1397هـ تحت اسم المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا وقد تم تعيين معاليه رئيسًا لمجلس الإدارة ورئيساً لهذا المركز في الفترة من عام (1977 - 1984م)، وفي هذه المحطة من مسيرته يحسب لمعاليه وقبل أكثر من (40) عاماً السبق في الاستفادة من الثروات غير النفطية والاهتمام بموضوع الطاقة البديلة والنظيفة التي أصبحت اليوم مطلباً عالمياً ملحاً قياساً على ما يدور في عالمنا من تغيرات سياسية واقتصادية كبيرة وذلك من خلال إطلاق أول حدث وانتصار علمي سعودي يبعث على الفخر والاعتزاز ويعطي الدلالة الواضحة على اهتمام القيادة الرشيدة بمسايرة ركب الحضارة والتقدم والأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا والتقنية الحديثة وتوظيفها في مجالات التنمية والخدمات وذلك عندما افتتح أمير منطقة الرياض آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز (خادم الحرمين الشريفين الآن) حفظه الله في منتصف محرم عام 1404هـ مشروع الطاقة الشمسية بالقرب من قرى الجبيلة والعيينة والهجرة على بعد (50) كلم من العاصمة الرياض والذي بدأت فكرته عام 1399هـ وكان باكورة عمل هذا المركز والهادف إلى توفير الكهرباء للقرى النائية والبعيدة عن الخدمات وكواحد من أضخم التجمعات الشمسية في العالم وما أعقبه بعد ذلك من تطوير ومشاريع وانتشار لمحطات الطاقة الشمسية بالمملكة ومنها (الجبيل وينبع نموذجاً)، ومن ثم فتح مجال الاستثمار في هذا الجانب حتى وصول المملكة لقائمة الدول العشر الأولى في مؤشر الطاقة الشمسية، وحسبي هنا أن أشير إلى جملة مهمة اختتم بها معاليه كلمته التي ألقاها في هذه المناسبة حيث قال: (إن المملكة لا تشتري التكنولوجيا الجاهزة وإنما تشترك في تطويرها وتطبيقها وتلك هي أفضل سبل التقدم في تقديرنا)، وهو بهذه العبارة يدفع بهمم أبناء البلاد وعلمائها إلى طريق العلم والمعرفة الواسع مؤكداً على أن توطين التقنية والتكنولوجيا الحديثة أهم من استيرادها.
وقد انعكس تخصصه الأكاديمي في اهتمامه بتطوير البحث العلمي وكان هاجساً ملحاً لمعاليه طوال مسيرة العملية سواء في المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا أو إبان عمله بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وما تحقق للجامعة من تقدم في مجال البحث العلمي والدراسات العليا التي تعد أحد أهم أركان البناء الأكاديمي في الجامعات وإعداد القيادات العلمية المؤهلة تأهيلاً عالياً في مختلف التخصصات العلمية، وإلى جانب ذلك كان لمعاليه اسهاماته الواضحة ودوره البارز في تطوير التعليم العالي بالمملكة من خلال منجزاته المتعددة في جامعتي الملك سعود بالرياض كعميد لكلية العلوم التي استمر بها لمدة عشر سنوات، ثم مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة لمدة عشر سنوات ثم اختياره للعمل في مجالس كثير من الجامعات السعودية خلال المجالس السابقة، فهو عضو المجلس الأعلى لجامعة الملك سعود بالرياض، وعضو المجلس الأعلى لجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وعضو المجلس الأعلى لجامعة الملك فيصل، وعضو المجلس الأعلى لجامعة الملك فهد، وعضو اللجنة التحضيرية للجنة العليا لسياسة التعليم بالمملكة العربية السعودية، وعضو المجلس الأعلى لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وقد انعكست كل تلك الأعمال والمساهمات بهذه المجالس في إرساء العديد من التنظيمات الأكاديمية والإدارية في نظم وهيكلة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية والتي مازالت الجامعات السعودية تسير على نهجها حتى الآن.
وخلال مسيرة معاليه سجلت له العديد من الأولويات غير المسبوقة ومنها: أنه أول طالب سعودي في أعقاب نيله درجة البكالوريوس في بريطانيا لنيل درجة الماجستير رأت اللجنة الفاحصة أن رسالته للماجستير يمكن أن تقدم للدكتوراه فمنح هذه الدرجة دون أن يدرس الماجستير، وهو أول من حمل راية الدكتوراه في العلوم الكيميائية في المملكة العربية السعودية من جامعة إنجليزية عريقة هي (جامعة برمنجهام)، وكان من أوائل الأساتذة الذين تولوا مسؤولية التعليم في جامعة الملك سعود بالرياض بعد حصوله على المؤهل العلمي للتدريس بها في مجال تخصصه العلمي، وهو أول عميد سعودي لكلية العلوم بجامعة الملك سعود بالرياض، كما أن له إنتاجه العلمي الفكري وحصل على العديد من الأوسمة من عدد من الدول العربية والأجنبية.
ومن خلال عملي في الصحافة لما يقارب الثلاثة عقود من الزمن فلعل الجانب الخفي الذي ربما يخفى على الكثيرين ممن عرفوا معاليه والمناصب العديدة التي تقلدها، ما قدمه من جهد كبير في جانب الإدارة الصحفية من خلال عمله كمدير عام ورئيس مجلس إدارة مؤسسة اليمامة الصحفية وما حققه من انتصارات وإقناع للأعضاء المؤسسين في هذه المؤسسة بتغليب جانب العمل الصحفي بكافة جوانبه، وأن تبقى للصحافة اطلالتها الحقيقية والمطلوبة في رصد واقع المجتمع وتطلعاته وطموحاته، وقد نجح معاليه في ذلك.
أوفى التحية والتقدير لهذا الرجل الذي مثل الأنموذج والمثال وأعطانا من خلال مسيرته الحافلة بالعطاء والمنجزات الدافع لنا ولكل أبناء الوطن لكي نعطي ونعمل ونبدع ويكون لنا دور فعال في تنمية البلاد وتبوئها المكان اللائق بها في مسيرة الحضارة الإنسانية.
... ... ... ... ...
(1) قيلت هذه القصيدة في حفل تكريم معالي د. رضا عبيد في اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة.
(2) من مقال د. عبدالرحمن الشبيلي نشر بجريدة عكاظ العدد 13715 - الاثنين 24 محرم 1425هـ - 15 مارس 2004م.