د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** يتجاورُ التحليلُ السياسيُّ مع التحليل الرياضيّ فتُفردُ لهما مساحاتٌ وساحات بوصفهما أهمَّ ما يَعرضُ من أحداثٍ يعتني بها الخاصةُ والعامةُ من غيرِ مسافةٍ تؤطرُها جنسانيةٌ أو تراتبيةٌ أو ديموغرافيةٌ تفرقُ بين رجلٍ وامرأةٍ، وصغيرٍ وكبيرٍ، وساكن الجبل ومتدثر القاع، ولكلٍ منهما جماهيرُ ومتابعون، وربما جمع بعضٌ بينهما، وانفرد بالاهتمام بإحداهما سواهم، وهو ما لا يتوفرُ للتخصصيين في الطبِّ والعلومِ واللغةِ والفكرِ ونحوها من المساراتِ الجادةِ؛ فالبحثُ فيها يخصُّ ذويها، ويقفُ غيرُهم عند السطور الأولى وصفحات الفهرس والمقدّمة، ولعلَّ القضايا الدينيةَ مشابهةٌ ومختلفةٌ في آن؛ فالأكثرون يُفتُون كما يشاؤون لكن الموثوقيةَ تقتصرُ على الأقلِّين.
** يحظى الناؤون عن تداخلاتِ الجماهير بعزلةٍ رائقةٍ لا ينقصُها رقمٌ تابعٌ أو متنفذٌ شافع، كما يسندُهم حضورٌ يتجاوزُ الزمانَ والمكانَ، وحين لا يرون إسنادًا أو إمدادًا آنيين فإنَّ طرحَهم سيجد موقعًا في دراسةٍ أو إيقاعًا بين ثلل، وهو ما يفتقدُه العارضان: السياسيُّ والرياضيّ، والمتداخلُ الدينيُّ لسرعةِ التبدلات والمتغيرات والتوجهات والتوجيهات، وما الظنُّ أنّها قابلةٌ للحفظِ لأكثرَ من حقبةٍ أو موسمٍ أو ضمن أدلجةٍ متغيرةٍ، وقد يواري مُنظِّروها ما كتبوه أو قالوه أو اختصموا بشأنه لانتفاء مبرراته، أو تبدلِ مساراته.
** بلغ الأستاذ محمد حسنين هيكل 2016- 1923م بقلمه، كما بلغ أحمد سعيد 2018- 1925م بصوته أمداءً لم يبلغْها كاتبٌ أو إذاعيٌ عربيٌ «سياسيٌ» أخلصا لتوجههما ولم يحيدا عنه؛ فما الذي بقي من «صراحة» هيكل، و»غضب» سعيد، ولا يمكنُ الاستنارةُ بهما في مدرجٍ علميٍ محكَّمٍ إلا لأهدافِ القراءة التأريخية بعدما انتهت صلاحيةُ نشرهما وبثّهما، ومثلُهما معظمُ الكُتَّابِ المرتبطين بمرحلةٍ جاء بعدها ما نقضها، ولا ينأى عنهما من سبقهما أو لحقهما، كمصطفى وعلي أمين وسليم اللوزي وأحمد بهاء الدين وأنيس منصور وغسان وجبران تويني، والأمثلةُ تطول، ويبقى منهم ومنها ما لم يتوقفْ في منابرِ الأحداث.
** أما الكتابة الرياضيةُ فانفعالاتٌ لحظيةٌ تُعبِّرُ عن مشاعرَ متضادةٍ تفرحُ وتترحُ، وتأتلفُ وتختلفُ، وتحبُّ وتكره، وتُفسّر وتقرر وفق موقفٍ فرضته نتيجةٌ، أو أشعله هدفٌ، أو حرّكه تشجيع، وهو اليوم غيرُه غدًا، وسواهما بعد غد، وما الظنُّ أن كاتبًا أو معلقًا أو محللًا « رياضيًا» سيُسعدُه أن يجمعَ كلامه في كتابٍ، أو يوثقَه في قناة، أو يأنسَ بحفظه ضمن تراثه، وقد يكتشفُ أنه ركضٌ دون صافرةٍ حظُّه منها العناءُ والعِداء، وهذا يشملُ جميعَ الألوانِ فلا فرقَ بينها وإن افترقت.
** لا ينجو الفكر والعلم والطب من «المؤقت» بسبب تداخل وتدخل من ليس من ذويها، لكنهم محدودون أو معدودون مقارنةً بهؤلاء، وسيذهبُ طرحهم هباءً حين تقف أمامه مصداتُ المنطق ومعادلاتُ المعرفة؛ لتبقى خلاصةُ الأمرِ السعيَ نحو «ما ينفع الناس ويمكث في الأرض»، وينجو من استهواه التجديفُ في اللجاج والحِجاج من الضَّلال والإضلال.
** الغدُ ميزانُ الوعد.