من جديد نعود إلى تقليب صفحات من كتاب (من نحن) للمؤلف الأمريكي صامويل هنتنجتون، والذي عرضنا منه في السابق جزءًا يتطرق إلى شخصية الفرد الأمريكي، وهنا نواصل عرض جزء آخر من هذا الكتاب يتحدث عن أثر الدين في الحياة الأمريكية.
لقد أعطى المؤلف الكثير من الحقائق المفصلة، سوف نعرج على بعض منها بشكل مختصر، حيث يقول فيما بين عام 1990 و2000 كانت الطوائف الدينية تنمو بسرعة بالنسبة للمنضمين إليها متمثلة في المورمون (مع زيادة قدرها 19.3 في المائة) وكنائس المسحيين الإنجيليين المحافظين وكنائس المسيح (بزيادة 18.6 في المائة) ومجالس الله (بزيادة 18.5 في المائة) وتبعتها الكنيسة الكاثوليكية (بزيادة 16.2 في المائة). وقد زادت عضوية المؤتمر المعمداني الجنوبي بمقدار 17 في المائة بين عام 1973 و1985, بينما تقلصت الجماعات البروتستانتية من الخط الرئيسي، وفقدت الكنيسة المشيخيية 11.6 في المائة من أعضائها، وفقدت كنيسة المسيح المتحدة 14.8 في المائة، ومع النمو في عدد المنتمين فإن حركة الإنجيليين أفرزت عدداً كبيراً من المنظمات بعقائد وأغراض مختلفة ومؤيدين مختلفين، وأسبغت شكلاً مؤسسياً وقوة على الثقافة الفرعية التي تقبلها30 في المائة أو أكثر من الشعب الأمريكي.
وكان المجهود الأول لتنظيم هذه الدائرة من المنتمين بشكل كامل متمثلاً في الأغلبية الأخلاقية، وقد خبت في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين وحل محلها الائتلاف المسيحي الذي بلغ أعضائه في عام 1995 حوالي 1.7مليون عضو، وهناك منظمات إنجيلية منها التركيز على الأسرة ولها مليون مؤيد، ورابطة الأسرة الأمريكية ولها 600 ألف عضو والسيدات المهتمات بأمريكا ولديها 600 ألف عضو وهي أكبر منظمة نسائية في أمريكا، وقد تضاعفت وسائل الإعلام المسيحية في العدد وفي التوزيع، ومع حلول عام 1995 أصدر حوالي 130 ناشراً كتباً مسيحية، وركز 45 ناشراً على الكتب المدرسية وغيرها من المواد اللازمة للمدارس، وقد تضاعفت مبيعات الكتب المسيحية ثلاثة أضعاف لتصل إلى بليون دولار سنوياً بين عامي 1980 و1995 وكانت الروايات المسيحية هي الأكثر مبيعاً، ومنها سلسلة Left Behind تأليف تيم لاهاي وجيري جنكنز التي باعت 17 مليون نسخة مع حلول 2001, وفي عام 1995 فقد كان هناك أكثر من 1300 محطة إذاعية دينية و163 محطة تلفزيونية، وفي نهاية التسعينيات من القرن العشرين ظهرت شبكات ضخمة لمحلات مسيحية للبيع بالقطاعي تبيع مجموعة متنوعة من المنتجات ذات صلة بالمسيحية، وحققت مبيعات تصل إلى بلايين الدولارات كل عام، كما أن أتباع الكنيسة الإنجليكية كانوا يشكلون معظم أعضاء الكنائس الكبرى البالغ عددها 600 كنيسة أو أكثر تضم 220 ألفاً وهي التي ظهرت مع حلول عام 2002.
ويضيف أيضاً فيقول إن المحافظين الدينين قد استطاعوا أن يعيدوا الدين إلى مربع الجمهور، لأن عدداً كبيراً من الأمريكيين كانوا متشوقين للترحيب به هناك.
وفي الثمانينيات من القرن العشرين، ركز الأمريكيون بشكل متزايد وطاغٍ على القضايا التي يمكن ترجمتها كدليل على الانحلال الأخلاقي: مثل التسامح في السلوك الجنسي، وحمل المراهقات، والأسر التي لها رب أسرة أو ربة أسرة واحدة، وتصاعد معدلات الطلاق، والمستويات العالية للجريمة، وانتشار تعاطي المخدرات، والصور العارية، والعنف في وسائل الإعلام، وبمواجهة الأمريكيين لهذه التحديات تحولوا باطراد إلى الدين والمفاهيم الدينية، وفي استفتاء للرأي في عام 2000 عن الدين في الحياة الأمريكية أثبت أن الأمريكيين يساوون بقوة بين الدين والأخلاق الشخصية، ويعتبرونه ترياقاً للانحلال الأخلاقي الذي يرونه في العالم اليوم.
وانتقل أثر الدين إلى عالم الشركات، وقد قيل في عام 1998 أن العاملين من ذوي الياقات البيضاء انساقوا بحثاً عن معنى، ولم يرضوا بأجور مرتفعة أو ترقيات، ورغبة في أن يعيدوا الصلة بإيمانهم، تجمهروا في اجتماعات الصلاة حول الأفكار ودراسات الإنجيل وقت الغداء في قاعات المؤتمرات وأندية الجامعات، وقيل إن عدد الجماعات المسيحية في أماكن العمل قد تضاعف ليصل إلى عشرة آلاف بين عام 1987 و1997.
ومع حلول التسعينيات من القرن العشرين أيد الأمريكيون بشكل ساحق أن يكون للدين دور أكبر في الحياة العامة الأمريكية.
وفي مسح 1991 أيد 78 في المائة من الذين شملهم المسح، السماح للتلاميذ بأن يؤدوا الصلاة داخل المدارس، وأن تخصص لهم فصول اختيارية لتدريس الإنجيل، وعقد اجتماعات لجماعة الزمالة المسيحية المتطوعين، ووافق 73 في المائة على أداء الصلوات قبل الألعاب الرياضية, وعارض 74 في المائة إزالة أي إشارة إلى الله -عز وجل- من قسم الولاء الذي قبل تولي أي منصب عام.
وأخيراً ذكر أن ازدهار الاقتصاد في أواخر التسعينيات من القرن العشرين واختفاء التهديدات الخارجية الخطيرة قد فتح الطريق للأخلاق لتلعب دوراً رئيسياً في المعارك السياسية التي تقود إلى الانتخابات، وفي مسح أجري في مارس 1998, أفاد 49 في المائة من الجمهور بأن أمريكا تواجه أزمة أخلاقية، وأفاد 41 في المائة من أن انحطاط الأخلاق كان يمثل مشكلة أساسية، وعندما سئلوا في فبراير 1999 هل كانوا أكثر اهتماماً بالمشكلات الأخلاقية أو الاقتصادية التي تواجه البلاد، اختار 58 في المائة من الأمريكيين المشكلات الأخلاقية، 38 في المائة اختاروا المشكلات الاقتصادية، وقد أفاد 14 في المائة من الناخبين عام 2000 بأن الإجهاض هو المشكلة الأولى كما كان على جدول الأعمال أيضاً الصلاة في المدراس ودعم الحكومة للأعمال الخيرية القائمة على الإيمان، وحقوق المثليين، وظهر جلياً أن الاقتصاد لم يعد هو الأهم، فالاهتمام بالأخلاق أدى إلى التركيز على الدين.
** **
- عبدالله سليمان الطليان
@abdllh_800