الهادي التليلي
ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف هذه المنطقة الحدودية التي تقع في الشمال الغربي والتي امتزجت فيها دماء التونسيين والجزائريين في الحقيقة كانت هذه الحادثة أو المجزرة غنية بالمعاني والدلالات حيث وقعت يوم 8 فبراير من سنة 1958 أي بعد استقلال تونس بسنتين وقبل استقلال الجزائر بأربع سنوات وتأتي هذه المجزرة كعقاب من الاستعمار الفرنسي آنذاك لتونس التي لم تخف دعمها الكامل لشقيقتها الجزائر في مسيرتها نحو التحرر في مخاض صعبة أطلق عليه المؤرخون حرب المليون شهيد الذين قتلوا.
استقلال الجزائر كان تاجاً يحق لأبناء هذا البلد أن يفخروا به نظراً لقساوة ووحشية من المستعمر الذي لم يكن يقبل التنازل عن احتلاله للجزائر مهما كلفه ذلك.
مجزرة منطقة ساقية سيدي يوسف الحدودية التي تقع على الحدود مر عليها 64 عامًا واختلطت فيها دماء شعبين متلاحمين لم تنجح الجغرافيا والتقسيمات الاستعمارية في التفرقة بينهما ولم تكسر إرادة الشعبين بل تحولت إلى ملحمة يرويها السابق للاحق عن أخوة تونسية جزائرية كتبت بالدماء.
والآن وبعد كل هذه السنوات من المحبة والتقارب سواء عبر تجارب تأسيس المغرب العربي أو التعايش الشعبي بين المدن المتجاورة أو حتى بين القيادات والمجتمع المدني والإكراهات الاقتصادية حيث كانت الجزائر في الفترات الأخيرة سنداً لشقيقتها تونس تماشياً مع الخط الرسمي بين البلدين حيث استطاع قيس سعيد وعبد المجيد تبون أن يبنيا كياناً جزائرياً تونسياً واحداً في المواقف الإقليمية وحتى في التآزر وتبقى وقفات الجزائر مع شقيقتها تونس في السنوات الأخيرة شاهداً على عمق الأخوة والتلاحم هذا التقارب أحرج الكثير من القوى الغربية التي يهمها أن تستثمر في الخلاف بين الشعبين وهنا التاريخ يعيد نفسه حيث كان شارل ديغول الرئيس الفرنسي الراحل يتحرك بين الجموع محاولاً بث الفتنة بين الشعبين ويتواصل مع الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة محاولاً التحريض على الجزائر ولكن تلك الحيل لم تنطل على الشعبين الشقيقين.
والآن وفي سنة 2022 عوضاً أن يكافح الشعبان من أجل مغرب عربي واحد وقوة اقتصادية مغاربية وازنة نجد وعبر نافذة كرة القدم تحول المنزع العام إلى تنافر غير مسبوق سببه بعض الأطراف الخارجية التي يحرجها أن يكون كلا الشعبين في وئام وانسجام ويكفي أن نذكر أنه قبل يوم واحد من مباراة كرة القدم بين المنتخبين كان كل تونسي يحمل علمين أحدهما للجزائر والثاني لتونس ونفس الشيء بالنسبة للجزائريين ومباشرة بعدها انقلبت المحبة إلى عكسها.
وفي الحقيقة لقد تم توظيف بعض أشباه الإعلاميين مدفوعي الثمن مع توجيه إعلامي مركز في السوشل ميديا لتصنيع الإساءة بين الطرفين وتأجيج الفرقة والكراهية الأمر الذي يجعل من عقلاء القلم والفكر والإعلام أمام مسؤولية تاريخية يحملها السابقون الذين سال دمهم الممتزج من أجل حرية واحدة وكرامة واحدة ومستقبل واحد.
فالعلاقات بين الشعبين على مدار التاريخ علاقة تخطت الجغرافيا والسياسة لذلك ستعود المياه إلى مجاريها متى تسقط أقنعة هؤلاء الذين يحسدون الشعوب حتى على تقاربها.