إن الرؤية الكونية الحضارية القرآنية، رؤية توحيدية غائية أخلاقية تفعل الفطرة السليمة وترشدها سعياً لتحقيق الحياة الطبيعية والسعادة في الدنيا والآخرة. تقوم الرؤية القرآنية على أن الوجود لم يخلق عبثاً، بل لغاية تقتضي التعامل الإنساني الأخلاقي مع كل مكوناته بنواظم المودة والرحمة والمعروف والإحسان.
الرؤية الكونية القرآنية رؤية تقوم على الوسطية التي لا تعرف التفريط ولا الإفراط، السعي الإنساني الفطري السوي في الكون المسخر لاستخلافه مما يحقق الإبداع الإنساني العمراني الفردي والجماعي. والجماعة والأمة في تلك الرؤية جزء من فطرة الوجود الإنساني التي لا وجود للفرد فيها دون الجماعة، ولا الجماعة دون الفرد، وأن الخطاب القرآني هو خطاب للجماعة وأساس أخلاقية العقل الإنساني الهادف.
لكل أمة رؤية كلية تنبثق منهاجيتها في التفكير وإطارها المرجعي، وسعيها العراني، والرؤية الكلية راسخة في وجدان الأمة، هي رؤية كلية مستقرة في ضميرها، وهذه الرؤية الراسخة في وجدان الأمة بمثابة التربة التي تنبت فيها مبادئها وقيمها ومفاهيمها وتفكيرها، والمنبع الصافي للرؤية الكونية للأمة الإسلامية هو القرآن الكريم، فهو معين تحديد هويتها، ومصدر إجابتها على كافة الأسئلة النهائية.
تقوم الرؤية الكونية الحضارية القرآنية على مبدأ وحدة السلام الإنساني، فالقرآن خطاب إلى الإنسان، بل إلى العالمين، ولا مجال في ظل هذا الخطاب للعنصريات القبلية والقومية التي تقوم على إقصاء الآخر وعلى استعلاء على الأنداء، وعلى التمايز السلبي الحيواني بين بني الإنسان وفحوى الخطاب العالمي القرآني هي التنوع في إطار الوحدة الإنسانية المتراحمة والمتكاملة والمتفاعلة من أجل الخير في أمن وسلام.
ولم تكن دعوة الإسلام إلى عالمية السلام الإنساني مجرد دعوة شفوية وليست لها علاقة بالعملية السلام، لقد تجسدت هذه الدعوة في أرض الواقع الإنساني بالفعل في ظل العالمية الإسلامية الأولى، فليست الرؤية القرآنية الحضارية رؤية فلسفة حالمة، بل هي مثالية واقعية تبرهن العبرة التاريخية على اختلاف النفوس والجمعيات البشرية في تحقيق قيم الخير في أرض الواقع.
الرؤية القرآنية ليست رؤية للمسلمين وحدهم، بل للإنسانية جمعاء، وهي رؤية فطرية استخلافية علمية عالمية، تقوم على قوة الحق والمساواة والتمكين للعدل والإحسان والسعى للإبداع والعطاء والعزة والكرامة والإخاء والتكافل والرحمة والسلام، فالرؤية القرآنية الكونية هي البنية الأساسية للإصلاح الإنساني الكوني، وهي رؤية متفاعلة للسلام العالمي.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية،كولكاتا - الهند
merajjnu@gmail.com