خالد بن حمد المالك
لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيفعله الروس في غزوهم لأوكرانيا إذا ما تم ذلك، وفي المقابل فإن الواضح والمعلن أن أمريكا ودول أوروبا والناتو لن يكون تعاملهم مع غزو الروس لأوكرانيا بعد فشلهم دبلوماسياً غير التلويح بعقوبات اقتصادية على غرار ما فعلوه مع إيران، أي أننا أمام عقوبات لن تثني عزم روسيا على تأديب الدولة التي حاولت أن تخرج عن عصا الطاعة لروسيا، بالتوجه نحو الانضمام إلى عضوية النيتو.
* *
الآن يصح القول إن أوكرانيا هي بين كماشة روسية من ثلاث جهات تحكم القوات الروسية من خلالها قبضتها عليها، وتهدد استقلالها، وتقول الأحداث المتسارعة أن طبول الحرب لغزو الدولة الأوكرانية لم تعد سوى مسألة وقت قصير، بدليل تسارع الدول دون استثناء إلى سحب موظفي سفاراتها من العاصمة الأوكرانية، والطلب من رعاياها مغادرة البلاد فوراً.
* *
ومهما كانت الاستعدادات العسكرية المحلية لمواجهة الغزو الأجنبي، وتدريب النساء كما الرجال من المواطنين للمقاومة، فإن موازين القوى لا مجال فيها للمقارنة، ومن العبث أن يفكر أي أحد على قدرة الجيش والمواطنين في منع روسيا من نيتها غزو الدولة الأوكرانية، أو تخويف موسكو من النتائج إن هي فعلت ذلك، غير أن الأمل يبقى قائمًا حتى الساعات الأخيرة التي تسبق الغزو فيما لو قررت روسيا التراجع، وهو أمر محتمل إذا ما قررت أمريكا والغرب تقديم الضمانات الأمنية التي طلبتها موسكو، وبينها عدم استخدام أوكرانيا لتهديد أمنها ومصالح شعبها، وكذلك انضمامها لحلف الناتو.
* *
وكل الخيارات مفتوحة للغزو أو للتراجع عنه، وكل الخيارات متاحة أيضاً لمواجهة الغزو الروسي من أمريكا والدول الغربية إلا المواجهة العسكرية، وهذا ما سوف يشجع الروس على استخدام السلاح في غزوه لتطويع الدولة الأوكرانية التي يعتبرونها مارقة، وخارجة عن الولاء لروسيا، ومرتهنة بالتبعية لأمريكا والغرب.
* *
السياسة الاستفزازية من أمريكا والدول الأوروبية كما تقول موسكو شجع -على ما يبدو- الروس على التجاوب معها بالمضي في تهديد استقلال أوكرانيا، وتعريض استقلالها وأمنها للخطر، دون أن تجد من الغرب من يحد من لغتها التي تفوح منها شهية غزوها، وتغيير النظام الحاكم بنظام يكون موالياً لروسيا، ومتناغماً مع سياساتها.
* *
والدولة الأوكرانية، لا تملك من القوة والقدرات العسكرية ما يجعلها نداً للقوات الروسية، أو على مقدرة لصد الهجوم المتوقع على أراضيها، حتى وإن استعانت بكل أفراد الشعب من رجال ونساء وتم تدريبهم ليكونوا قوة مساندة للجيش والقوات الأمنية، ولهذا فإن إطفاء فتيل الحرب القادمة ضروري بعد أن تخلت أمريكا وحلفاؤها عن مساندة الدولة المهددة عسكرياً، وأبقتها وحيدة في مواجهة العنفوان العسكري الروسي في الغزو المحتمل.
* *
وعلى رئيس أوكرانيا وحكومته وشعبه أن يتذكر ما آلت إليه حرب عام 2014 من هزيمة ونتائج مؤلمة، دفعت البلاد إلى اليوم ثمنها الكبير، بمعنى أن نزع فتيل الحرب هو بيد الرئيس والحكومة في كييف، وإن أي تنازلات للروس أفضل بكثير من حرب أو غزو سوف تدمر فيه البلاد، ويموت فيه الرجال والنساء، دون أن يمنع روسيا من الاجتياح، وتنصيب من تراه رئيساً يحقق لها مطالبها كلها وأكثر.
* *
نعم، روسيا معتدية، وظالمة، وما تقوم به غير مشروع، وإنه استقواء على الدولة الأضعف، وصحيح أن المخاوف التي تبرر بها روسيا سبب نيتها في غزو البلاد قد تكون مفتعلة، إلا أنه من الحكمة أن يتم التعامل معها بعقل، خاصة مع تخلي أمريكا تحديداً عن الدفاع المشروع عنها، وقيامها بسحب قواتها العسكرية الموجودة في أوكرانيا، مع قرب ما يقال عن ساعة الصفر لقيام القوات الروسية بما تم التحضير له عسكرياً لغزو الدولة الجارة لروسيا.