فضل بن سعد البوعينين
تتشابك خيوط الأزمة الروسية الأوكرانية، وتعلو دقات طبول الحرب، فيصبح الاجتياح الروسي أكثر قربًا. وبالرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة لتجاوز خيار الحرب، إلا أن بعضها لا يخلو من ضبابية الأهداف المرجوة منها، خاصة من الجانب الأميركي الذي ربما تمنى فشلها لتحقيق أهدافهم الإستراتيجية!.
للأزمة تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي، الذي لم يصل مرحلة التعافي الكلي بعد، فتداعيات كورونا ما زالت مؤثرة مع وجود متحورات الفايروس التي لا يمكن التنبؤ بانعكاساتها المستقبلية. الأسواق المالية، أسعار النفط والغاز والسلع عمومًا، سلاسل الإمداد من القطاعات المتوقع تأثرها بحدة في حال الحرب، بعد أن تأثرت بالفعل وبنسب متفاوتة جراء القلق وعدم اليقين.
الأكيد أن الأزمة الروسية الأوكرانية ليست الوحيدة المؤثرة على الاقتصاد العالمي، فهناك ملفات أخرى قد تغذي الأزمة وتؤثر فيه بحدة، ومنها ملف الديون السيادية، التضخم، أسعار الفائدة، وقرار إيقاف برنامج التيسير الكمي.
أسهمت الأزمة في ارتفاع أسعار النفط والغاز، إضافة إلى المعادن، ومن المتوقع ارتفاعها بشكل أكبر في حال تطورها، إضافة إلى إمكانية حدوث نقص حاد في إمدادات الغاز الذي تعتمد عليه دول أوربا بشكل كبير. ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الأسواق المالية والتجارة الدولية التي قد تتعرض لسيناريو مشابه لتداعيات كورونا التي أثرت سلبًا على سلاسل الإمداد والإنتاج. ومن المتوقع أيضاً أن تتشكل تكتلات تجارية دولية جديدة بقيادة الصين وروسيا من جهة، وأميركا والدول الغربية من جهة أخرى.
ملف النفط والغاز هو الأكثر حساسية، من جانبي الأسعار وأمن الإمدادات، حيث تزود روسيا الدول الأوربية بما يقرب من 30 في المائة من احتياجاتها النفطية، و35 % من احتياجات الغاز، إلا أن هذه النسبة تختلف بين دولة وأخرى حيث تعتمد مقدونيا على ما نسبته 100 % من الغاز الروسي، وفنلندا 94 %، بلغاريا 77 %، سلوفاكيا 70 %، ألمانيا 49 %، إيطاليا 46 %، بولندا 40 %، وفرنسا 24 % ما يعني إمكانية تأثر إمدادات الغاز، إضافة إلى ارتفاع أسعاره ما سينعكس سلبًا على اقتصاديات الدول الأوربية وبالتالي الاقتصاد العالمي. هناك شبه اطمئنان فيما يتعلق بإمدادات النفط، وقدرة السعودية على تعويض أي نقص طارئ في المعروض، إلا أن ذلك لن يمنع تجاوز أسعار النفط 100 دولار وربما 120 دولارًا في حال الحرب. ومن المهم الإشارة إلى أن تعويض إمدادات الغاز في حال النقص المفاجئ لن يكون متاحًا للدول الأوربية.
تضخم أسعار السلع والمنتجات، المرتفعة أصلاً، من التداعيات المتوقعة، وهذا سيزيد في أعباء الدول الفقيرة على وجه الخصوص، والغنية أيضاً التي تعاني من موجة التضخم العالمي الذي يؤثر سلبًا على مستوى المعيشة بشكل عام.
أما الأسواق المالية فتقع تحت ضغط ثلاثة مؤثرات مهمة، وهي: وقف التيسير الكمي، رفع الفائدة للحد من التضخم، وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية. وعلى الأرجح أن تشهد الأسواق المالية مزيدًا من التراجعات، التي بدأت مؤشراتها تضرب بعض الأسواق العالمية بنسب متفاوتة.
القطاع المالي لن يكون في مأمن من الأزمة في حال اتخاذ عقوبات اقتصادية ومالية ضد روسيا. فطردها من النظام المالي العالمي (سويفت) يعني شلل قطاعها المالي وحجبه عن النظام العالمي، ويعني أيضاً انعكاسات على النظام المصرفي العالمي لوجود الارتباطات المالية بينها.
انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على دول الخليج ستكون مؤثرة، سياسيًا، اقتصاديًا، استثماريًا، وتجاريًا، ما يستوجب التحوط الأمثل تجاهها وتوحيد المواقف ووضع أسس المرحلة القادمة وآلية العمل تجاهها. وإن كنت أركز على جانبين مهمين، الأول وهو الأمن الغذائي والسلعي الذي ربما تأثر بشدة في حال نشوب الحرب، والثاني استثمارات الصناديق السيادية في الأسواق المالية العالمية، واستثماراتها المباشرة في المشروعات المختلفة ومنها الزراعية. التحوط في حال الأزمات من القرارات الإستراتيجية المهمة، وإدارة الأزمة قبل وأثناء وبعد حدوثها يمكن أن تحد من تداعياتها الحادة، بتوفيق الله.