إيمان حمود الشمري
فجيعة لو اكتشفنا في ساعة متأخرة من الوعي أننا كنا نؤجر عقولنا لمفردات مشبوهة، يطلقها وينادي بها فئة أشبه بمدربي الطاقة الذين يملكون كل أدوات الإقناع، حيث لديهم السلاسة بالحديث والمفردات وأساليب الإقناع، يرتدون أقنعة أدباء ومفكرين ومشاهير ومعارضين وفي أحيان أخرى رجال دين، ليسيطروا على عقول البعض من خلال مفردات يغذونهم بها ويلفظونها حينما تتعارض مع مصالحهم الشخصية! مفردات عبثت بحياة الكثيرين، غيرت مصائرهم، زجت بهم في سجون الغربة، وكانت منعطفاً منحدراً لآخرين أودت بهم في مصير مجهول وضياع، كان أكبر ذنب لهم وأكبر حماقة ارتكبوها في حق أنفسهم أنهم صدقوا أصحاب تلك المفردات.
لم يكن داء المفردات جديداً وإنما بدأ منذ زمن بعيد، ولو أننا تتبعنا سير حياة هؤلاء المنادين بتلك المفردات لاكتشفنا مدى التناقض وتفضيل المصالح الشخصية عند أول منعطف يسهم في تحسين حياتهم. آلاف المفردات التي تنادي بشعارات معينة يلقي بها أصحابها على أعتاب مطار الوطن مودعاً كل المبادئ والشعارات الغبية مقابل جواز من دولة كان هو نفسه يطلق عليها دول الاستعمار، ضارباً بعرض الحائط كل الشعارات والأكاذيب التي كان يؤمن بها ويلقنها لجيل الشباب الثائر.
مفردات أشبه بعمليات غسيل المخ ثم بعدها يكتشف ضحاياها أنهم كانوا سلعة للتحريض والانصياع لأفكار أصحابها أنفسهم لم يؤمنوا بها، لأنهم يقولون ما لا يفعلون، حيث يطالبون بالإنصاف والعدل من الدول المستعمرة التي قذفوها بألف شتيمة بشعرهم وكتبهم وخطبهم، وطالبوا بالحرب ضدها ومن ثم لجأوا إليها وحملوا جوازاتها وأصبحوا مواطنين لدول الاستعمار حسب تعبيرهم!
فتاوى تتهاوى وشعراء يتبعهم الغاوون، هاجوا على المنابر مستغلين سلطتهم بالسيطرة على عقول الناس وبالتأثير على فئة الشباب الذين تم إقحامهم بصراع مع الوطن، معتقدين أن تلك هي الحرية والديمقراطية بالتعبير عن الرأي، أضاعوهم وأضاعوا مستقبلهم، بالجري وراء وهم المفردات، زجوا بهم في سجون الغربة وجعلوهم يتحسرون على مستقبلهم، ويتمنون العودة إلى الوطن ولو في صناديق خشبية ليدفنوا في ترابه وعلى أرضه، بعضهم لا يزال في السجون يحلمون بالحرية الحقيقية، بالأسرة، بالكرامة، بالانتماء، كان ذنبهم الوحيد أنهم صدقوهم وكذبوا الوطن، صدقوا المفردات وخذلهم المعنى لأنه كان يحتمل أكثر من فخ. فأي قاموس سيشرح المعنى الخبيث الذي كان يختبئ خلف مفردات مشبوهة توحي بالحق والحرية وخلفها ألف قضبان من حديد.