د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
اتبعت دول العالم خلال العامين الماضيين سياسات توسعية لمواجهة آثار جائحة كورونا، بالطبع تلك السياسات التوسعية لها آثار سلبية ينتج عنها ارتفاع معدلات التضخم، وحسب قانون العرض والطلب، فإن زيادة العرض تجر إلى انخفاض قيمة الشراء الذي زاد عرضه والعكس، فارتفاع الطلب الكلي يؤدي إلى ارتفاع مستوى السلع، وعندما تصل الشركات إلى طاقتها الكاملة، فإنها تتجه نحو رفع الأسعار، فارتفاع التضخم يؤدي إلى زيادة التكاليف بالنسبة للشركات، ويتم تحميلها إلى المستهلكين، لذلك يتم مواجهة التضخم برفع الفائدة، والحد من نمو الإنفاق الحكومي، لكن سيكون لها تأثير سلبي في النمو الاقتصادي وانتعاش الاقتصاد.
ارتفعت معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى 7 في المائة في 2022 لأول مرة منذ 40 سنة، كذلك ارتفعت معدلات التضخم في أوروبا إلى أكثر من 5 في المائة، لكن ارتفعت معدلات التضخم في تركيا إلى 48.7 في المائة، وخلافا للنظريات الكلاسيكية، اعتقد أردوغان أن ارتفاع أسعار الفائدة تعزز التضخم، لكن سياسته أدت إلى تسريع هبوط العملة الوطنية 44 - في المائة في عام 2021 مقابل الدولار، مما أدى إلى ارتفاع هائل في الأسعار.
نحت رئيسة البنك الأوروبي كريستين لاغارد إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في أوروبا راجع إلى ارتفاع مؤقت في معدلات التضخم، وأسباب الارتفاع المؤقت راجع إلى اضطراب الامدادات، وراجع أيضا إلى ارتفاع الأسعار المؤقتة في الطاقة، وتتوقع تلاشي التضخم المرتفع في 2022، وسيكون قريباً من 2 في المائة، وهو المعدل الذي تطمح إليه جميع البنوك، وإذا انخفض التضخم عن 2 في المائة، فهناك انكماش اقتصادي، وهناك يتزايد النقاش حول أول زيادة في سعر الفائدة الأوروبية خلال أكثر من عشرة أعوام.
لكن لو قارنا بين معدلات التضخم في السعودية بعد الأزمة المالية عام 2008 عند معدل 6.4 في المائة يفوق المعدل العالمي بسبب أن الاقتصاد السعودي كان آحادياً، لكن بعد تطبيق السعودية رؤية المملكة في عام 2016 الذي هدفت لتنويع مصادر الدخل، وفي زمن جائحة كورونا اتبعت السعودية مثل دول العالم سياسة توسعية، فارتفعت معدلات التضخم في النصف الأول من 2021 نحو 5.5 في المائة.
توقعت فيتش نمو الاقتصاد السعودي 5.57 في المائة في 2022، وانخفاض معدلات التضخم إلى 3.3 في المائة، بسبب سعي الحكومة إلى زيادة دور صندوق الاستثمارات العامة والقطاع الخاص الذي سيقلل من ضغط الإنفاق والانتعاش القوي في نمو قطاع النفط سيكون العنصر المحرك للاقتصاد، كما توقعت شركة جدوى للاستثمار إلى ارتفاع النمو الاقتصادي إلى 7 في المائة في 2022، وتسجيل السعودية فائضا بقيمة 35 مليار ريال قبل عام من الموعد الذي حددته وزارة المالية الذي توقعت عجزا بقيمة 52 مليار ريال، ويعد أول فائض خلال 8 أعوام منذ عام 2013، نتيجة نمو قوي للقطاعين النفطي وغير النفطي.
وفي أكبر اقتصاد في العالم في الولايات المتحدة أعلن رئيس البنك المركزي الأمريكي جيروم بأول أنه مع معدل 7 في المائة حاليا في الولايات المتحدة، حيث أكد بأول أن عام 2022 هو العام الذي ستتحرك فيه واشنطن بعيدا عن سياسات التيسير النقدي الكبيرة التي تبنتها للتعامل مع الآثار الاقتصادية لوباء كورونا، وكان هناك هامش كبير لرفع الفائدة، حيث تهدف تصريحات باول إلى الحد من قلق الأسواق من شبح التضخم، وتهدئة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء بأن التضخم لن يفلت من عقاله، يقصد قبل أن تحدث تشوهات اقتصادية ناتجة عن التضخم والفقاعات الاقتصادية التي تبرزان عادة بقوة وقبل أن تخرج عن السيطرة، وتهدد الاستقرار الاقتصادي، فتدخل البنك برفع الفائدة من أجل تهدئة الاقتصاد والحفاظ على النمو في المسار الصحيح.
تعد الولايات المتحدة مصدرا للدولار العملة الرئيسية والأكثر تداولا في الاقتصاد العالمي، فسيكون لسياساته النقدية الجديدة تأثير قوي خارج الحدود الجغرافية للولايات المتحدة، وستكون لها أصداء متعددة خاصة في الاقتصادات الناشئة، وسيكون لها مفعول قوي في سوق الأسهم، وإن كانت أسواق الأسهم لا تتأثر على المدى الطويل، بل تتأثر أسواق الأسهم بشكل أكبر بعدم اليقين في الاقتصاد، والسندات والعقارات والعديد من الأسواق الأخرى التي تعد مرتكزات رئيسية في الاقتصاد العالمي.
وتتبنى بريطانيا النهج نفسه من أجل إضعاف المعروض النقدي في الأسواق، لأن المقترضين سيدفعون مزيدا من المال مقابل القروض، أي ترتفع قيمة الرهون العقارية وبطاقات التمويل والديون الأخرى، ما يقلل من إنفاق المستهلكين، وكذلك يتراجع الطلب، فيما هو خبر سار للمدخرين، حيث سترتفع عائداتهم، وستفتقد الأسهم جاذبيتها، فيما تزيد جاذبية الأصول الأقل خطورة مثل السندات.