{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.
انتقل إلى رحمة الله / مشيقح محمد حمود العلي المشيقح. غفر الله له ورحمه رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة. الحمد لله على قضائه وقدره.
فجعنا بنبأ وفاة الزميل الوفي والجار الذي عشنا وإياه سنوات الطفولة والمراهقة في حارة شمال شرق الجامع الكبير نلعب وإياه وإن كان يكبرنا سناً في شارع واحد بالدراجات والكرة التي قيمتها ريال ونصف ونلتقي معه في أوقات الصلوات بالمسجد (الجامع الكبير) الذي يتوسط مدينة بريدة والذي عمر ووسعت مساحته بعد تثمين البيوت المجاورة وهي (بيوت الربدي والسليم والمهنا) وأدخلت على مساحة الجامع القديم وضمت إليه على نفقة جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية رحمه الله، والذي تم بناؤه بالحجر والخرسانة المسلحة بإشراف مهندسين وبيد عمال مصريين وتنفيذ المقاول الشيخ سليمان فوزان عثمان فوزان السابق والذي تمكن من الاتفاق مع شركات وعمالة مصرية لبناء الجامع الكبير بالخرسانة المسلحة والحجارة كأول مبنى مع مبنى المكتبة العلمية ينفذان بالخرسانة المسلحة بمدينة بريدة مع بداية عام 1376هـ، والذي انتهى عام 1379هـ وقام بافتتاحه الملك سعود في ذلك العام وصلى بالمواطنين يوم الجمعة وخطب فيهم خطبة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون.
وكنا نجلس وبعض الأصدقاء مع المرحوم (مشيقح) دائماً وبعد الصلوات على عتبة الباب الشرقي نتجاذب أطراف الحديث وهو الباب الوحيد الذي كُتب فوقه وبالحجارة العبارة التالية (تمت عمارة هذا المسجد على نفقة جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية تحت إشراف فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد عام 1379للهجرة).
جدد بناء الجامع عام 1418هـ على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية رحمه الله، بعد زيادة مساحته من الجهة الشمالية بعد تثمين بيوت الربدي والصقير وبيوت والد زميلنا محمد الحمود المشيقح.
درس المرحوم أبو عبدالله المرحلة الابتدائية بالمدرسة الفيصلية أول مدرسة نظامية في بريدة وبأمر من الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1356هـ.
تخرج أبو عبدالله من المدرسة الفيصلية عام 1381هـ والتحق بالمعهد العلمي ببريدة الذي افتتح عام 1374هـ وعين مديراً له فضيلة الشيخ محمد بن ناصر العبودي أحد طلاب الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد والرحالة المشهور بكتبه ورحلاته والذي اختار زميله بالمدرسة المنصورية ببريدة عبدالله بن سليمان الربدي ليكون وكيلاً للمعهد.
تخرج مشيقح المحمد ابو عبدالله من المعهد العلمي عام 1386 /1387هـ وكانت مدة الدراسة فيه خمس سنوات والتحق بكلية الشريعة بمدينة الرياض التي افتتحت عام 1373 هـ بأمر من ملك المملكة العربية السعودية جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله، وتخرج منها عام 1391/1390هـ.
بدأ حياته العملية معلماً بالمدرسة الفيصلية والتي تخرج منها يُدرس المواد الدينية للصفين الرابع والخامس ولمدة تزيد عن عشرين عاماً، وانتقل منها لمدرسة الامام مسلم الابتدائية بعد تقلص الفصول بالمدرسة الفيصلية بسبب التطور العمراني الذي شهدته مدينة بريدة، وانتقال أكثر السكان إلى الأحياء الجديدة بالمدينة.
وتعتبر أسرة المشيقح من الأسر الكبيرة والعريقة والتي قدمت من اوشيقر وسكنت في عنيزة ومن ثم استقرت بمدينة بريدة قبل أربعمائة عام، وأكثرهم اهل علم وتجارة ويعمل أغلبهم بوظائف الدولة، منهم الدكاترة الذين يعملون بالجامعات والمستشفيات والمشايخ والمعلمين بالمدارس والكتاب وائمة المساجد الذين خدموا دينهم ومليكهم ووطنهم وكانت لهم مساهمات بالمشاريع التجارية الكبيرة كمشروع الالبان والدواجن ووكالات السيارات.
ومن أفراد الأسرة من عمل بتجارة الإبل والمواشي مع الدول المجاورة كالعراق والشام ومصر قبل توحيد المملكة، وهم من عرف بالعقيلات مع بقية تجار القصيم الذين عملوا في هذا المجال ولا يزال بعض من أفراد الأسرة مستقر بمصر حتى يومنا هذا.
وعشنا مع أسرة محمد الحمود المشيقح والد الزميل مشيقح عليهم رحمة الله سنوات طويلة جيرانا متحابين، الرجال مع الرجال والشباب مع الشباب والنساء مع النساء، انهم أحد الجيران الذين عشنا واياهم استجابة لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
لقد زاملت الأستاذ مشيقح سنوات طويلة بالحارة وفي العمل نعمل معلمين بمدرسة واحدة هي المدرسة الفيصلية لأكثر من خمسة عشر عاماً حتى عام ألف وأربعمائة للهجرة، حيث انتقل إلى مدرسة الإمام مسلم الابتدائية وظل يدرس بها حتى تقاعد عن العمل عام 1428هـ.
وأبو عبدالله من الجيل الرابع أو قل الخامس الذين حظوا بالحصول على شهادة كلية الشريعة بالرياض منتظماً ومن خريجي المدارس النظامية من سكان بريدة ومن منطقة القصيم.
واجهت المرحوم الشيخ مشيقح المحمد متاعب صحية إلى جانب متاعب أخرى جسيمة، ولكنه قابلها بالرضا والتسليم مؤمنا بقضاء الله وقدره ونحسبه والله حسيبه من الصابرين المحتسبين (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) وقد توفي والداه وإخوانه الذين يكبرونه وهم علي والد الشيخ خالد وصالح والد الدكتور عبدالله والشيخ فهد المعلم بالمعهد العلمي ببريدة وحمد كلهم انتقلوا إلى رحمة الله في حياته.
وكانت الفاجعة الكبرى حين فقد أحد أبنائه بحادث سيارة وهو في ريعان شبابه عائدا بسيارته من عمله.
وأصيب في السنوات الأخيرة من عمره بجلطة قوية ظل يعاني منها لأكثر من سبع سنوات أقعدته بالمنزل، وصار طريح الفراش، ومن ثم اسيرا للعربة التي يتنقل عليها داخل البيت، وعند الخروج من المنزل، وقت الحاجة فهي الوسيلة التي يتنقل بها من مكان إلى آخر.
نسأل الله أن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأن يتغمده بواسع رحمته وينور عليه قبره ويجعله روضة من رياض الجنة وعزاؤنا لابنه عبدالله وإخوانه وأخواته ولأسرة الفقيد الرجل الذى عاش ومات محبوبا عند أهله وجيرانه وزملائه وكل من عرف المرحوم وتعامل معه والذي ينطبق عليه حديث الرسول: (إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه).
** **
- علي بن محمد إبراهيم الربدي