خالد بن حمد المالك
لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تستغني في علاقاتها الدولية عن العلاقات الثنائية بين المملكة وأمريكا، ومثلها المملكة فهي ملتزمة وحريصة على تجذير علاقاتها بأمريكا والعمل على تطويرها، ومن قال غير ذلك فهو يتجاهل التاريخ، والأسس التي قامت عليها هذه العلاقة، والبناء الذي على أساسه استمرت بكل هذا الزخم الكبير.
* *
فالملك عبدالعزيز - رحمه الله - والرئيس الأمريكي روزفلت أسسا لعلاقات ثنائية معززة بكل القوة التي تجعلها صامدة أمام كل التحديات، في زمن كانت المملكة في بداية توحيدها، وفي ظروف غير الظروف التي تمر بها الآن من حيث قوة التأثير، وتغير المعادلات الدولية في العلاقات.
* *
صحيح أن المملكة لا تتفق مع كل وجهات نظر الولايات المتحدة الأمريكية، وتعارضها في بعض مواقفها، وتتعامل معها الند للند، وليست الدولة الصغيرة التابعة للدولة الكبيرة، لكن القواسم المشتركة، والمصالح الثنائية، وحاجة كل طرف للطرف الآخر، والحرص من الجانبين على عدم الإضرار بالتعاون القائم بين الدولتين، كل ذلك زاد من احترام كل طرف للطرف الآخر، وتقديره لمواقفه وسياساته، وعدم التدخل في شؤونهما الداخلية.
* *
غير أن ما يحسب للعلاقات بين المملكة وأمريكا، أنها وإن مرت بشيء من الفتور من حين لآخر، إلا أن ذلك لم يؤثر في البناء القوي لهذه العلاقة، ولم يمس المصالح لكل من الرياض وواشنطن، بل إن حكمة قادتي الدولتين ما أن يحدث مثل ذلك، فإذا بهما يسرعان إلى معالجة ما كان سببًا في مثل هذا الفتور لمصلحة الدولتين والعالم أجمع.
* *
وقد لاحظنا في اتصال الرئيس الأمريكي جون بايدن بالملك سلمان بن عبدالعزيز، التوافق في وجهات النظر سواء في مسار المفاعل النووي الإيراني، أو الموقف من حجم الإنتاج من النفط، أو من الوضع في الشرق الأوسط، وكذلك الحرب في اليمن، والإرهاب، والعلاقات الثنائية بين الدولتين وسبل تعزيزها، وهذا الاتصال وما أسفر عنه يرد على المشككين بأن العلاقات السعودية - الأمريكية تمر بمرحلة من عدم التوافق، وأنها لم تعد كما كانت عليه من قبل، فيما هي كما كانت وكما ستكون علاقة قوية وإستراتيجية بين دولتين صديقتين وحليفتين في الماضي والحاضر، وستظل كذلك في المستقبل.
* *
الأهم من ذلك ومن باب التذكير، أن المملكة لم تقصر علاقاتها الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية، وإنما تمتد علاقاتها إلى كل دول العالم، فهي دولة كبيرة ومؤثرة، ولها وزنها السياسي والاقتصادي والديني والأمني الذي يجعلها دولة مهمة تحرص الدول الكبرى على بناء أوثق العلاقات معها، خاصة وهي الدولة الاستثنائية في التزاماتها وصدقها مع أي دولة تكون لها ومعها اتفاقيات تعاون، وشراكات مع هذه الدولة أو تلك، ما جعل من المملكة دولة مطلوبة ومرغوبة لبناء أوثق العلاقات مع دول العالم.
* *
نخلص من كل هذا إلى أن ما يميز المملكة أنها تمتلك شخصية الدولة التي تعتمد على سياسات تميزها عن غيرها من الدول، وهي السياسات التي أبعدتها عن المحاور والدخول في نزاعات ومعالجة ما تطرأ من مشاكل دولية بالحكمة والأناة والصبر والتعامل بما جنب ويجنب المملكة وشعبها عن هذه الصراعات التي تمر بها دول عديدة في منطقتنا وفي العالم، ما جعل المملكة آمنة ومستقرة، وتتمتع بوضع اقتصادي وتنموي وأمني مقارنة مع ما هو موجود في دول أخرى بالمنطقة وخارجها.
* *
وفي كل هذا، فإن علاقات بلادنا الدولية تأخذ دائمًا بما يلبي مصالح الشعب، ويقوي الدولة، وبما يسمح بالاستفادة بأقصى درجة من التعاون مع دول العالم، دون أن يكون هناك أي قبول للتدخل في شؤونها الداخلية، أو إملاءات لتغيير سياساتها ومواقفها، وهو ما يلاحظ في كل موقف، ومع كل سياسة تعلن عنها المملكة، وبما هو مشاهد على الأرض والواقع، وهكذا هي المملكة وستظل تعطي الدروس للآخرين في سلامة سياساتها، وتحرص على أن أمن البلاد ونموها وخدمة مواطنيها مقدم على أي مصالح أخرى ثانوية.