عبدالله عبدالرحمن الغيهب
عادات وإن طواها النسيان يظل التذكير بها يبعث على استرجاع الماضي بكل مكوناته وعاداته وأعرافه.. جماليات الأزمنة الماضية قد تكون مستهجنة لدى من لا يعرف طبيعة الحياة في ذلك الوقت وقت الأجداد والآباء حيث كانت الضيافة ومحبة الناس وعلاقاتهم المجتمعية فريدة ومتقبلة لدى الرجال والنساء فلا نفور ولا عبوس، ينيخ المسافر راحلته قرب البلدة أو وسطها ويختار أحد البيوت وخاصة أكثرها شهرةً فيضع حذاءه عند الباب حتى إذا خرج صاحب المنزل للصلاة كالعشاء أو الفجر أو حتى الظهر عرف أن هناك ضيفاً عاد وأخبر أهله أن يصنعوا له طعاماً فإذا انقضت الصلاة حضر ومعه الضيف فيعد له القهوة ويقدم له الأكل مما تيسر فلا تفاخر في تقديم أصناف الطعام كما نشاهد الآن ومن الكرم ملازمة الضيف حتى ينصرف بل من الكرم أيضاً والمألوف بين الناس سؤال الضيف إن كانت راحلته بحاجة لحشيش (ما تأكله الدواب رعياً في البراري).. بساطة الناس الأولين وحبهم للضيف وعفويتهم صنعت لحمة قل أن تجدها اليوم، حياة الرعيل الأول كانت مغموسة بالترابط والتراحم حتى وإن لم يعرفه وغير محصورة على غني أو فقير كبير أو صغير فالكل سواء ينهلون من معين واحد أقصد ثقافة واحدة لا تعرف التفريق ولا الطبقية كلها متآلفة ومتصافية يتبادلون الأحاديث ويتسامرون في بهو المنزل أو خارجه على ضفاف الوادي حيث الرمال النظيفة والهواء النقي..
أزمنة لم تعرف الكربون ولا الكراهية ولا التفريق بين شرائح المجتمع، مجتمعات متآلفة وبيئات متجانسة في عاداتها وطبيعتها يُقبلون على بعضهم بالسلام والسؤال وإن لم تربطهم علاقة مجالسهم عامرة بالضيافة وقلطة الظهر وبعد المغرب حيث تدار القهوة والأحاديث ذات المحتوى ولك أن تتخيل انعقاد الجلسات في بيت أحدهم لمناقشة شؤون البلدة وحل المشكلات التي تدعو للتدخل والإصلاح بين السكان مما قلل عدد القضايا واللجوء للمحاكم الشرعية..
رحم الله الرعيل الأول من آباء وأجداد وأجزل لهم الأجر والثواب.