عندما كتب الأدباء عن القهوة، ذلك الفنجان الساحر مذاقاً، المؤثر شكلا ومضمونا، لم تأتِ كلماتهم من فراغ، بل هي وليدة تجارب صنعتها الصدف، أو ربما كانت نتيجة طقوس متوارثة أسريا، أو هي تعبير جميل عن روتين متَّبع في أماكن العمل كمعين على التفكير وتجديد النشاط.
ولهذه الأسباب وغيرها حظيت القهوة باهتمام البشر عامة واهتمام المفكرين والأدباء خاصة، فأفرد لها الكُتاب مساحة في كتاباتهم وغمروها بفيض من لمساتهم الأدبية، وألبسها كثير من الشعراء حلة المحبة من خلال قصائدهم التي تغزلت فيها، وعبر رائحتها المنعشة التي تغمر الأجواء عبقاً وطيباً؛ يحبُّ المرء ويعشق، ولا أدلَّ على ذلك من مغازلة (محمود درويش) الذي بلغ تعلقه بها حد المبالغة، فقد قال: « أريد رائحة القهوة.. لا أريد غير رائحة القهوة.. ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة.»
أما الأديب العالمي نجيب محفوظ فقد ارتبط بزوغ فجر أجمل رواياته بنشوته وهو يحتسي فنجان قهوته، كما ارتبط اسمه بالمقاهي التي كانت تمثل عالمه الخاص؛ الذي استمد منه أروع حكاياته، وبنى عليه أميز رواياته، فها هو يؤكد هذا الإحساس بقوله: «المقهى يلعب دورًا كبيرًا في رواياتي، وربما في حياتي كلها».
ولأني من عشاق القهوة، دائما ماكنت أرمي بثقل همومي، إما في ممشى الكورنيش، أوعند الجلوس لشرب القهوة والتأمل أو لإنجاز روايتي أو كتابة مذكراتي الخاصة، وهنا يحضرني موقف لطيف و آسر في كافيه! كنت وقتها أقف خارج المقهى حائرة متعبة، ولا أرى أمامي سوى همومًا وأوراقًا متناثرة، حينها رحت أبكي طويلا، لكن بصمت ولأول مرة، وإذ بشاب صغير في السن يدعى سعود، يظهر أنه يعمل في المقهى، يدعوني للدخول والجلوس، ولما دخلت و جلست هدأت نفسي قليلا، سألني عن سبب الحيرة وتلك الدموع الماطرة، فصرت أسرد له بعض التفاصيل عن ألمي حتى أني نسيت حزني وسط هذه الأجواء الجميلة! وسرعان ما استعدت توازني، حينها فقط، بدأت أنظر إلى الحياة بشكل مختلف...
وهنا يصدق القول، كم من مهمومٍ يضيق صدره مع ضغوط الحياة، فيجد سلوته في احتساء فنجان قهوة، يجعل يومه سعيداً وتفكيره إيجابياً، يخرجه من الأجواء السلبية، ببضع رشفات من فنجان قهوة، وسرعان ما يستعيد توازنه ويفيض إلهامه، وهذا الأمر هو ما يؤكده الكثيرون، بأن «القهوة مزاج» تزيد من قدرة الشخص على التركيز، وتطرد كل خاطرة سلبية، فهناك ثمة علاقة وطيدة بين القهوة والإبداع والتفاؤل، بدءاً برائحة القهوة الشهية، مرورا بالاستمتاع بتناول مذاقها الغني الذي يساعد على التفكير المبدع، وانتهاء بحالة النشوة المتفائلة التي لاتنتهي مع انتهاء آخر قطرة.
ومما لاشك فيه أن «القهوة» صديق يواسيك في كل تقلبات الزمن ومستجدات الحياة، فتجد نفسك دائما في وضعٍ أفضل معها، حتى وإن احتسيتها وحيدا في مقهى بسيط، تحيط به الأجواء المحبطة.
فإن كنت تفكر في أمر وتريد حلاً لموضوع ما، فعليك أن تستعين بفنجان قهوة، فهو الصديق الذي سيلهمك الحل ويعينك على التفكير، وبالنسبة لي القهوة عشق كبير لا يحلو يومي إلا به.
** **
- فاطمة آل عمرو