حمّاد بن حامد السالمي
* هل ما تمر به جماعة (الإخوان المظلمين) السياسية اليوم؛ من تنافر وتشرذم فيما بين فصائلها؛ وما تواجهه من مواقف عربية حكومية وشعبية رافضة ولافظة لها؛ أمر جديد في تاريخ هذه الجماعة..؟ التي قامت كما قال أحد رموزها القيادية وهو الشيخ (محمد الغزالي)- رحمه الله- يوم صرح وهو يغادر ساحتها قائلًا: (اكتشفت أن مبدأ الجماعة هو: قم لأقعد مكانك).. هل هذا جديد..؟
* الواقع أن كثيرًا من المؤرخين ومن القيادات الفكرية وحتى الدينية العربية - والبعض منهم من أعضائها- كشفوا زيفها، وفضحوا ألاعيبها منذ أكثر من سبعين عامًا. وإذا كانت الآلة الإعلامية والبوقية للحركة؛ المنتفعة من ورائها؛ استطاعت تضليل وخداع بعض العرب والمسلمين طيلة عقود وعقود؛ إلا أنها لن تستطيع تضليلهم وخداعهم إلى الأبد. فها هي فصائل (الإخوان المظلمين) اليوم؛ في مهاجرها خارج بلدانها الأصلية. في عواصم أوروبية كانوا يسمون أهلها بالكفر والإلحاد والفسق، ويقولون هي (هي بيوت خلاء) لهم إلى حين..! هكذا بكل وقاحة.. ثم هم اليوم يعيشون على فتات مما نهبوه وأخذوه من أموال المجتمعات العربية التي صدقتهم زمنًا، ومن أموال دول تستخدمهم، ومنظمات تستعبدهم وتسخرهم لأغراضها، مثل (الماسونية العالمية)، و(إيران الصفوية). وغيرها. ثم.. وبين وقت وآخر؛ يتصارعون على كراسي الزعامات، وفتات المنهوبات.
* وللوقوف على تاريخ الجماعة الأسود طيلة عقود فارطة؛ نتوقف عند أمثلة قليلة مما ورد وأثر عن باحثين ومؤرخين عاصروها فعصروها، وذاقوا من ويلاتها ما هو أمر من المر. تعالوا نقف على بعض مما أورده الأديب (محمد كرد علي 1876م - 1953م) في مذكراته الشهيرة الصادرة عن (مكتبة الثقافة الدينية) بالقاهرة. قال: (تألفت منذ سنوات؛ جماعة اتخذت لنفسها اسم - الإخوان المسلمون- وأعلنت على الملأ أن لها أهدافًا دينية واجتماعية، دون أن تحدد لها هدفًا سياسيًا معينًا ترمي إليه، وعلى هذا الأساس؛ نشطت الجماعة، وبثت دعايتها، ولكن ما كادت تجد لها أنصارًا، وتشعر بأنها اكتسبت شيئًا من رضى بعض الناس عنها؛ حتى أسفر القائمون على أمرها عن أغراضهم الحقيقية، وهي أغراض سياسية، ترمي إلى وصولهم إلى الحكم، وقلب النظم المقررة في البلاد. وقد اتخذت هذه الجماعة في سبيل الوصول إلى أغراضها؛ طرقًا شتى، يسودها طابع العنف، فدربت أفرادًا من الشباب اطلقت عليهم اسم الجوالة، وأنشأت مراكز رياضية تقوم بتدريبات عسكرية مستترة وراء الرياضة، كما أخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات، وتخزنها لتستعملها في الوقت الذي تتخيره، وساعدها على ذلك ما كانت تقوم به بعض الهيئات، من جمع الأسلحة والعتاد بمناسبة قضية فلسطين، وأنشأت مجلات أسبوعية، وجريدة سياسية تنطق باسمها، وسرعان ما انغمست في تيار النضال السياسي، متغافلة عن الأغراض الدينية والاجتماعية التي أعلنت الجماعة أنها قامت لتحقيقها..).
* إذن.. من مناهجهم وطرقهم منذ ظهروهم المقيت؛ جوالة، ومراكز رياضية، وأسلحة، وتدريب عليها، وتوظيف لقضية فلسطين في التكوين الفكري الجهادي للجماعة..! تتذكرون المخيمات الدعوية تلك، وما كان يجري فيها من تدريبات وتسريبات وتكوينات..؟ سبحان الله. كأننا لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نفهم ولا نعي.
* يضيف المفكر الأديب محمد كرد علي فيقول: (الجمعية ليست جمعية دينية بالمعنى الذي يفهمه الجمهور وإنما؛ هي جمعية سياسية دينية اجتماعية، تنادي بتغيير القوانين وأساليب الحكم الحالية، وإن الخطب الدينية لا تفيد في توجيه الجمهور إلى تفهم غرضها الحقيقي، وأن الوسيلة لبلوغ هذا؛ هو إثارة الجمهور بطريقة: طرق مشاعره وحساسيته، لا عقله وتقديره.. هذا ما ورد في بيان الحكومة المصرية، بعد أن قيل إن هذه الجمعية؛ ارتكبت إجرامًا كثيرًا، من قتل ونسف وإحراق، وآخر كل ذلك؛ اغتيالها رئيس حكومة مصر (محمود فهمي النقراشي باشا)، الذي أمر بحل جمعيتهم، ثم اغتيال أحد الإخوان رئيس جمعيتهم، لأن إخوانه شعروا بأنه سيدل الحكومة على ما لدى الجمعية من سلاح وعتاد وقذائف- فيما قيل- وقد ظهرت أفكار للجمعية كثيرة في القاهرة وغيرها من الأقاليم، فيها من العتاد والسلاح ما لا يوجد عند دولة عظيمة. لا جرم أن جمعية الإخوان المسلمين، من أعظم ما قام من الجمعيات السرية في مصر وغيرها من بلدان الشرق العربي، وحق للناس أن يبالغوا في تقدير مكانتها.. هذا وقد سرت دعوة هذه الجمعية إلى من يحبون التقليد على العمياء، فدخل فيها كثيرون ممن يتحمسون للدين في الشام وغيرها، ولما كشف أمر جماعتهم في مصر؛ تواروا وعمدوا إلى التقية والبراءة من عمل إخوانهم في وادي النيل).
* بعد كل هذا.. ألا يحق لنا أن نقول بأنهم: (إخوان ظلاميين لا إخوان مسلمين)..؟ وأنهم أعدى أعداء العرب والمسلمين..؟ فقد سفكوا الدماء، وقتلوا وشردوا وشتتوا في بلداننا ما لم يفعله أعداؤنا التقليديون الذين يؤوونهم اليوم في عواصمهم..؟ لقد أرادوها خلافة بعد خلافة؛ على مقاسهم ومزاجهم الجهلوي السلطوي، لكنهم زرعوا الخلاف تلو الخلاف في كل مجتمع حلوا فيه، حتى أصبح الخلاف بينهم كفصائل وقيادات وأفراد. اللهم زدهم حتى تئدهم.