حائل - خاص بـ«الجزيرة»:
أعلن فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن جزاع الرضيمان مفتي منطقة حائل المعين حديثاً أن أولى خطوات العمل القادمة استثمار قنوات الاتصال، وعمل برامج إفتائية، وندوات علمية، وزيارات للمحافظات والمراكز لخدمة أهلها، والإجابة على أسئلتهم، ووضع استديوا في مكتب الإفتاء لتسجيل مقاطع قصيرة تنفع الناس.
وقال الدكتور أحمد الرضيمان في حواره مع "الجزيرة" أن جميع الحوادث والمستجدات المعاصرة في المجتمعات لها ما يبين حكمها في الشريعة، وأن الأحكام الشرعية ثابتة وإذا تغير الواقع يطبق عليه الحكم المناسب، كما تناول الحوار عددًا من الموضوعات الفقهية، وغيرها، وفيما يلي نص الحوار:
* ما أولى خطوات العمل عقب تكليفكم بالإفتاء في منطقة حائل؟
-أولاً: أشكر الله تعالى ثم أشكر سماحة المفتي العام ومعالي نائبه للشؤون التنفيذية وأصحاب المعالي أعضاء اللجنة الدائمة للفتوى بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء على حسن ظنهم بشخصي، وتكليفي بهذا العمل المهم، وهو الإفتاء بمنطقة حائل، ولا ريب أن الإفتاء مسؤولية عظيمة، أستشعر ثقلها، لأنها توقيع عن رب العالمين، فأسأل الله أن يوفقني للصواب، وأن يجعلني عند حسن ظنهم، ولقد زرت سمو أمير المنطقة وسمو نائبه، بعد تكليفي بهذه المهمة، فاستفدت من توجيههما، وأشكرهما على دعمهما ورعايتهما وثقتهما التي أعتز بها، وأرجو أن أكون أهلاً لها.
ثانياً: عمل الإفتاء عمل منظم، وعملي سيكون بحسب توجيهات سماحة المفتي العام ومعالي نائبه للشؤون التنفيذية، وأصحاب المعالي أعضاء اللجنة الدائمة، ومن ذلك مراعاة حال المستفتين، والرفق بهم، وإجابة أسئلتهم، بكل رحابة صدر.
ثالثاً: من خطوات العمل القادمة استثمار قنوات الاتصال، وعمل برامج إفتائية، وندوات علمية، وزيارات للمحافظات والمراكز لخدمة أهلها، والإجابة عن أسئلتهم، ووضع استوديوا في مكتب الإفتاء لتسجيل مقاطع قصيرة تنفع الناس، وكل ذلك وغيره سيتم بعد التنسيق مع الرئاسة.
* هناك من ينادي بمجالس للإفتاء في مناطق المملكة لسد حاجة الناس، وللتخفيف على دار الإفتاء، فما رأيكم؟
- لا يحتاج الأمر مناداة، فالدولة -وفقها الله- حققت ذلك، فمكاتب الإفتاء موجودة في مناطق المملكة العربية السعودية، وذلك لخدمة المواطنين والمقيمين، وتيسير أمورهم، وحل ما يعترضهم من مسائل شرعية، ولتكون الفتوى من مصادر رسمية موثوقة ومأذون لأصحابها بالفتوى، وكما تعلم فإن الدولة -وفقها الله- حصرت الفتوى بكبار العلماء ومن يفوضهم سماحة المفتي بالفتوى في مناطق المملكة، ضبطاً للفتوى، وراحة وموثوقية للمستفتين، وهذا ما نفذته الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء بمتابعة مباشرة من سماحة المفتي العام، ومعالي نائبه للشؤون التنفيذية.
* في ظل المتغيرات الحديثة المتسارعة في المجتمع، هل ترون مراجعة الفتوى بين الحين والآخر؟
- صحيح أن هناك متغيرات، ولكن أيضًا هناك ثوابت، فكُل ما ثبت في كتاب الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو ثابت، ليس لأحدٍ تغييره، فأركان الإيمان الستة، وأركان الإسلام الخمسة هي ثوابت، وكذلك القيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام هي ثوابت، فالعدل والصدق والأمانة والعفة ونحوها ثوابتُ لا تقبل التغيير والتبديل، وكذلك القواعد الأساسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جاء بها الإسلام، مثل التعامل مع الحاكم المسلم بالنصح له، وعدم الخروج عليه، والسمع والطاعة له بالمعروف، هذه ثوابت، سار عليها السلف، ولم يخالفها إلا من انحرف عن منهجهم، وكذلك في الاقتصاد: من الثوابت تحريم الربا، وقد أعلن ذلك رسول الله في حجة الوداع، وقال إنه تحت قدميَّ موضوعٌ، فليس لمسلم أن يبيح الربا، بحجة أن المستجدات والمتغيرات تقتضي إباحته، وتسميته فوائد، لأن تحريم الربا والخمر ونحوهما من الثوابت، مهما سُمّيت بغير اسمها، وهكذا في الشؤون الاجتماعية والأسرية، فالزواج هو الطريق الشرعي مثنى وثلاث ورباع، هذا ثابت من الثوابت، وأي علاقة بين الرجل والمرأة تخالف ما جاء في الكتاب والسنة، فهي باطلة، لأنها تخالف الثوابت، وهكذا في الجنايات، فالقاتل بغير حق يُقتل، والزاني المحصن يُرجم، والبكر يُجلد، وغيرها مما جاء في الكتاب والسنة، كلها ثوابت، فتوحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وكل ما شرعه الله ورسوله، ثوابت، ليس لأحد تغييرها أو تبديلها.
وأما المتغيرات وهي الوقائع، التي تتغير أحكامها تبعاً لتغير واقعها، وهو ما يُقال فيه: تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، فالأحكام الشرعية ثابتة، وإذا تغير الواقع، فإنه يطبق عليه الحكم المناسب، وهذا تغيرٌ في الواقع لا في النص الشرعي، وعلى سبيل المثال، لو حُرّم استعمال دواء ما؛ لما يخشاه الأطباء من ضرر، ثم ثبتَ أنه نافع ولا ضرر فيه، فتغيرت الفتوى إلى الجواز، فالذي تغيَّر هو الواقعة، والحكم الشرعي يحكم على الواقعة، وهذا ليس تَغيُّراً فيه، وإنما هو تغير في الوقائع، فالشريعة ثابتة، والحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، ومن اشتبه عليه الأمر، فَلِقِصَرِ نظرِهِ، فإذا اتضحت له الأمور، وتراجع عن قوله، فهذا التغيُّر فيه، وفي تصوره للمسألة، لا في الشريعة وأدلتها الثابتة، ولهذا فجميع الحوادث والمستجدات، لها ما يبين حكمها في الشريعة، عَلِمَ ذلك مَن علمه وجَهلَهُ مَن جَهِلَهُ، لأن الله تعالى بيَّن لنا كل شيء، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}.
* ماذا عن انتشار الفتاوى الغريبة التي يتخذها البعض ذريعة للسخرية من الإسلام؟
- إذا كانت الفتوى صادرة من عالم متخصص، ومستندة على الدليل من الكتاب والسنة فهي معتبرة وإن استغربها الجهال الذين لا يعلمون، والذي لا يعلم عليه أن يسأل أهل العلم، لا أن يسخر ويستهزئ، قال الله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وأما إن كانت الفتوى ظالمة خاطئة، لصدورها من جاهل، أو ضعيف عقل، أو صاحب هوى ومنهج منحرف، يُنفّر عن الدين بجهله وتخرصاته، فهذه جناية عظيمة، لأن القول على الله بلا علم قرينٌ للشرك، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
* هل الاجتهاد الفقهي المعاصر قادر على مواكبة التطور المفاهيمي والإجرائي في الاقتصاد العالمي؟
- الشريعة ليس فقط مواكبة للمستجدات المعاصرة، بل هي سابقة لها، فما يستجد من شيء إلا وحكمه موجود في الكتاب والسنة، عَلِمَه من علمه، وجهله من جهله، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}، قال ابن مسعود رضي الله عنه: اشتمل القرآن على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وحكم كل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم ومعادهم.
وإذا أردت أن تعرف مثالاً على ذلك، فانظر إلى المناطق القطبية، التي يكون فيها ستة أشهر نهاراً، وستة أشهر ليلاً، وسؤال أهلها كيف يصلون، وكيف يصومون؟
فهذا أمر استجد على الناس في زماننا، ولكن جوابه موجود في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل 1400 سنة، وذلك في حديث "لُبثُ الدجالِ في الأرض"، وأنه يلبث أربعين يوماً، يوماً كسنة، ويوماً كشهر، ويوماً كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا، وقد سأل الصحابة رسول الله: كيف يصلون في هذا اليوم الذي كَسَنة، فأجابهم أن يَقْدُروا له قدره، وهذا دليل على كمال الدين، وهكذا الأمور الاقتصادية، فمن قرأ سورة يوسف عليه السلام يرى الرؤية الاقتصادية العجيبة التي وضعها نبي الله يوسف عليه السلام، وذلك أنه وضع تخطيطاً دقيقاً، ورؤية اقتصادية نافعة، لمعالجة ما قد يحدث من ضعف الإنتاج في السنين الشداد، فكانت مدة الإنتاج العالي جداً محددة بسبع سنوات، وتضمنت الخطة جودة الإنتاج وسرعته لزيادة الطاقة الإنتاجية، مع مراعاة الوعي الادخاري، والمخزون الاحتياطي، وفي ذلك قال يوسف لقومه كما ذكر الله عنه في كتابه (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا)، فقوله: دأبًا، أيّ متواصلاً، ليكون ذلك استثماراً للإمكانات المتاحة، وليكون رصيداً احتياطياً في حال جفت الآبار، وقلّت المياه، ثم أكمل (فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ)، وفي هذا حفظٌ للاحتياطي، وذلك بأن يتركوه في سنبله لئلا يصيبه السوس والفساد، ليكون ادخاراً لسنوات القحط والحاجة، وحتى في سنوات الخصب والنماء اقتضت الخطة أن يقتصدوا ولا يسرفوا كما في قوله {إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ} أي: كثير ذروه في سنبله، واحتفظوا به رصيدًا احتياطياً، والقليل خذوه واستفيدوا منه؛ فالشريعة داعمة لكل تقدم وتطور فيه نفع للبلاد والعباد في جميع المجالات، ومن لم يستوعب ذلك، ولم يعرف مقاصد الشريعة، فالعيب في فهمه وضعف استنباطه ومداركه، وليس في الشريعة الكاملة.
* في ظل تحديات كورونا المستجد يجد الناس أنفسهم في حالة من الحزن واليأس، فما هي رسالتكم إلى كل من يجد نفسه محاطاً باليأس؟
- لماذا الحزن واليأس، علينا أن نؤمن بالقدر ونعمل بالشرع، فنؤمن أن كل شيء بقضاء الله وقدره وأنه {لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، ونعلم أنه "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَهَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَغمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه"، وعلينا مع الإيمان بقدر الله أن نعمل بالشرع فنحرص على ما ينفعنا ونأخذ بالأسباب التي تقينا من هذا الوباء، ومنها الأخذ بتوجيهات وزارة الصحة في هذا الخصوص، كالتباعد الاجتماعي، ولبس الكمامة، وأخذ اللقاحات التي وفرتها الدولة مشكورة، فالإيمان بالقدر لا يعني اليأس وترك الأخذ بالأسباب، ولهذا لما وقع الطاعون بالشام، وأراد عمر -رضي الله عنه- الرجوع، قال له أبو عبيدة -رضي الله عنه: أفرارًا من قدر الله؟ فقال له عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو أن لك إبلاً هبطت واديًا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جديبة؟ أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟.
فالأمراض والمواقف الصعبة تزيد أهل الإيمان والعقيدة الصحيحة، إيمانًا وتوكلاً على الله، وانظر إلى الصحابة لما جمع الناس لهم من كل مكان من فوقهم ومن أسفل منهم، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، تجد ذلك لم يزدهم إلا إيمانًا وتوكلاً على الله كما قال تعالى {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}، وقال تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، بينما أهل العقيدة الفاسدة، انخلعت قلوبهم، وقالوا {مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا}. فالمؤمن لا تزيده الحوادث إلا إيمانًا بالله وتوكلاً عليه، فلا يسخط ولا يبتئس.
* على الرغم من كثرة المتخصصين في العلوم الشرعية في بلادنا إلا أن حضورهم العلمي والإعلامي قليل جداً، فما أسباب هذا العزوف الخطر عن نشر تعاليم الإسلام ووسطيته السمحة، وتصحيح بعض المعتقدات الخاطئة في المجتمع؟
- أهل العلم موجودون ولهم -بحمد الله- نشاط بحسب الوسائل المتاحة لهم، صحيح أن الواجب كبير، ومهما بذل الإنسان من جهد فهو قليل بالنسبة للواجب عليه تجاه دينه ووطنه ومجتمعه، فنسأل الله أن يمنح الجميع الفقه في الدين، والنشاط في نشر دين الله، بحكمة وبصيرة.