ضيف العدد، من مواليد بنها التابع لإقليم القليوبية بمصر العربية، عمل مديرًا لتحرير سلسلة النشر الإقليمي بهيئة قصور الثقافة، ومديرًا لتحرير مجلة ضاد التي تصدر عن اتحاد كتاب مصر. الكاتب الروائي (محمود قنديل) من إصداراته في الرواية: (وأد الأحلام، النفق، أجواء المدينة. وفي القصة؛ أصداء التراتيل الصامتة سؤال الفتى «مجموعات قصصية»، وفي النقد صدر له قراءة في صفحات الأدب).
في صدر شبابه شاهد فيلم (سنة أولى حب) المأخوذ عن رواية تحمل نفس العنوان لعملاق الصحافة العربية «مصطفى أمين». أبكاه الفيلم، خاصة مشاهد النهاية، الأمر الذي جعله يسعى لاقتناء الرواية، فأرسل إلى المؤلف خطابًا ـ عبر البريد ـ يطلب منه نسخة، وبدلًا من أن يرسل له نسخة من روايته؛ أرسل مذكراته التي كتبها أثناء اعتقاله (سنة أولى سجن) في الوقت الذي كان لديه فيه إصرارٌ كبيرٌ للحصول على الرواية بكل السُّبل والطرق كافة، فراح يسأل الصديق تلو الآخر أين يجدها، وأخيرًا عَثَر على من يدلهُ على دار النشر وعنوانها، فكانت فرحته كبيرة..
في بداية حوارنا أشار الناقد والكاتب الروائي (محمود قنديل) مستعرضًا ما تحمله الذاكرة المشفوعة بزخم التجربة القرائية، بعض عناوين الكتب التي شكلت بدورها تأثيرًا بارزًا في صياغة تجربته الإبداعية وبعض مفاهيم حياته، قائــلًا: لعل الكتاب الذي يظل ماثلًا في وعيي وذاكرتي هو «دعاء الكروان» لعميد الأدب العربي د. طه حسين، وقد قرأتُها أكثر من خمس مرات، ففيها اللغة الجميلة الرقيقة المعروفة عن العميد، والحس المرهف والمشاعر المتوهجة، والتعاطف الجم مع «هنادي» التي دفعت بها عاطفتها نحو الوقوع في حُب الباشمهندس المخادع، فأصبحت من الخاطئين، مما جعل خالها يقتلها، في حين أن أختها آمنة (الراوية) تستنكر فعلة خالها الإجرامية، وتسعى إلى الانتقام من «الباشمهندس» الذي غرر بأختها فوقعت في الخطيئة. الدكتور طه حسين رصد بدقة ودراما ضحايا المجتمع (آمنة / هنادي / أمهما).
ومن الكتب التي تأثرتُ بها أيضًا رواية «ميرامار» للأديب العالمي نجيب محفوظ، فهي رباعية (أربعة شخوص كلٌ منهم يتحدث عن واقعه المعيش في جزء خاص من الرواية) ومن الطبيعي أن يكون لكلٍ منهم رؤيته المختلفة تجاه تلك الفترة التاريخية التي عاشوها. وعلى الرغم من محدودية المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية (بنسيون بالإسكندرية) إلا أن محفوظ بعبقريته استطاع أن يفتح آفاقًا زمكانية من خلال سرد الوقائع على ألسنة الأبطال الأربعة (عامر وجدي/ صحفي سابق، سرحان البحيري / شاب مستهتر، زهرة / فتاة هاربة من ضغوط أسرتها للزواج برجل مُسِن، عليِّة تلك المعلمة التي تحب زهرة وتسعى إلى محو أميتها).
في مكتبة ورثها صديقي عثرت على كتاب نازك
وتابع: أعتقد أن ديوان « شظايا ورماد» للشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة أثار دهشتي وذائقة التلقي عندي، ومن حُسن المصادفة أني عثرت على الديوان بمكتبة أحد أصدقائي الذين ورثوا المكتبة عن أبيهم، لقد كان الديوان ـ والذي صدر عام 1949ـ ممهورًا بتوقيع نازك نفسها عبر إهداء إلى الناقد البارز آنذاك د. بدوي طبانة، وقد ضم الديوان مقدمة طويلة لنازك تشرح فيها أهمية قصيدة التفعيلة التي لم تكن معروفة من قبل، مدافعةً عن التجريب الذي اتخذته طريقًا جديدًا لرؤاها، ومُعلنةً أن هذا اللون الإبداعي هو المستقبل لأنه ـ حسب رؤيتها ـ يفتح المجال للقول ولا يخنقه.
وقد نسبت نازك هذا اللون إليها وبأنها مؤسسته، ولكن حقيقة الأمر أن صلاح عبدالصبور كان قد كتب ـ أيضًا ـ قصيدة التفعيلة ونسبها لنفسه، في الوقت ذاته نرى مواطنها «بدر شاكر السياب» يفعل نفس الشيء، ولكن يمكننا ـ بسهولة ـ إرجاع الفضل - في هذا اللون - إليهم جميعًا (الملائكة وعبدالصبور والسياب).
وتصور معي أنه حين بدأت بواكير قصيدة النثر تلوح في الأفق وتستقر كنجم ـ بازغ ـ في سماء ثقافتنا العربية، كان يراودني ـ دومًا ـ سؤالٌ حائر وهو: ماذا عن موقف نازك وعبدالصبور والسياب من هذا اللون الجديد لو كانوا قد عاصروه؟
وأضاف : قرأتُ رواية «بعد الغروب» لــ محمد عبدالحليم عبدالله، وهو كاتب معروف برومانسيته، ولا أخفيك أن الرواية راقتني كثيرًا، فكلها مشاعر مفعمة بالأحاسيس والصدق الفني والمصداقية الأدبية، لكن توغل الكاتب في أغوار الرومانسية جعله يخاصم الواقعية بمعقوليتها، فهناك عددٌ من المواقف كانت تحتاج إلى إعادة صياغة بحيث تبدو معقولة ومقبولة داخل نسقها الروائي، وأعتقد أن لو كان الأمر بيدي لصححتها بنفسي وأصدرتُ منها طبعة منقحة ومصححة فنيًا.
وزاد: القراءة عندي قد تختلف عن الكثيرين، فحين أشرع في قراءة كتاب ــــ أي كتاب ـــ فلابد أن يكون بيدي قلم رصاص، كي أسجل ملحوظاتي على هوامش الصفحات، وطبيعي ـــ وقبل كل شيء فإن العنوان ـــ كعتبة أولى ــــ يستوقفني بعض الوقت، لأنه المدخل الرئيس للنص، وبالتالي فهو يهيئ ذائقة التلقي للولوج إلى أعماق النص وسبر أغواره، وسوف تجد نفسك مع نهاية النص تحكم على حسن اختيار العنوان أو سوء اختياره.
ونحن حين نتمادى في القراءة تواجهنا وتجابهنا تشظيات شتَّى تمثل أفكار الكاتب، وطرائق صياغتها ومراوغاته الفنية، وغيرها.
وأعتقد أن نجاح الكاتب في السيطرة على القارئ تتمثل في مدى تشويقه وإدهاشه واستثارة بوتقة التذوق لديه، وأرى أن هذا الأمر يتعلق أكثر بالكتب الأدبية (قصة / رواية / شعر / مسرح)، أما الإصدارات الفكرية فالأمر يختلف، من حيث لا يقبل على اقتنائها سوى القارئ المهتم بالفكرة أو القضية المطروحة عبر صفحات الكتاب.
(ترانيم الخروج والموت)
وفي معرض إجابته على سؤال «تجربة الإصدار الأول، والظروف المصاحبة لذلك المُؤلّف» أوضح قنديل: أذكر أن أول كتاب أصدرتُه كان عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان «ترانيم الخروج والموت»، وصدر خلال الثمانينيات، وقد صدر فيما بعد تحت عنوان «تداعيات الخوف القديم» عن نادي القصة بالقاهرة، وهو يضم عددًا من النصوص وصفها كثير من النقاد بالتجريبية، ذلك أني حاولت الخروج عن الأطر التقليدية لفن القصة القصيرة، مستلهمًا الصورة الشعرية ومناخ الأسطورة، عازمًا على موسقة لغتي الأدبية بأن تكون ذات جرس وإيقاع.
** **
- محمد هليل الرويلي