د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
الهمزة التي يبدأ بها اللفظ نوعان، همزة قطع لها تحقق في اللفظ والكتْب والدلالة، وهمزة وصل لا تختلف في نطقها عن همزة القطع؛ ولكنها لا دلالة لها، فغايتها التوصل إلى نطق لفظ بدأ بساكن؛ ولذا يقتصر عن لفظها في الدرج، فلا تحقق لصوتها لتجنب اجتلابها.
تبين من استقراء كلام العرب أن همزة الوصل كثيرة في الأفعال، قليلة في الأسماء؛ فجاءت في نحو اثني عشر اسمًا، نحو قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (106-المائدة)، وقوله ?قُلْنَا احْمِلِ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَينِ} (40-هود)، وأما ما جاء من مصدر بهمزة وصل فهو تابع لفعله. وهمزة الوصل نادرة في الحروف؛ إذ لم تدخل إلا على لام التعريف، وهذا يعني أن الأصل في همزة الأسماء والحروف أن تكون همزة قطع.
قد ينقل ما بدأ بهمزة وصل من الأفعال أو الأسماء أو الحروف إلى العَلَمية، ويقتضي التأصيل أن تقطع همزات هذه الأعلام المنقولة؛ ولكن سيبويه فرق بين ما نقل من الأفعال وما نقل من الأسماء، فقطع الأول واستصحب وصل الآخر، قال «وإذا جعلت (اضربْ) أو (اقتلْ) اسمًا لم يكن له بدٌّ من أن تجعله كالأسماء، لأنَّك نقلت فعلًا إلى اسم. ولو سمَّيته (انطلاقًا) لم تقطع الألف، لأنَّك نقلت اسمًا إلى اسم»(1). ونجد عند ابن مالك مزيد إيضاح لقول سيبويه، قال «وإذا سمّي بما أوله همزة وصل قطعت الهمزة إن كانت في منقول من فعل، وإلا استصحب وصلها؛ فيقال في (اعلم) إذا سمي به: (هذا إعلمُ) و(رأيت إعلمَ). ويقال في (اخرُج) إذا سمي به: (هذا أُخرُجُ). ويقال في المسمى بـ(اقتراب) و(اعتلاء): (هذا اقترابٌ)، و(رأيت اقترابًا) و(هذا اعتلاءٌ) و(رأيت اعتلاءً)؛ لأنه منقول من اسمية إلى اسمية، فلم يتطرق إليه تغير أكثر من التعيين بعد الشياع، بخلاف المنقول من الفعلية إلى الاسمية، فإن التسمية أحدثت فيه مع التعيين ما لم يكن فيه من إعراب، وغيره من أحوال الأسماء، فرجع به إلى قياس الهمز في الأسماء وهو القطع»(2).
وهذا ما عليه جمهور النحويين، سوى ابن الطراوة، قال ابن عقيل «فلو سميت بانطلاق، لم تقطع الهمزة، لأنك إنما نقلته من الاسمية؛ وقال ابن الطراوة (ت528هـ): تقطع، لأن همزة الوصل إنما كانت فيه حين كان جاريًا على الفعل، وقد خرج عن ذلك بالعلمية؛ ورد بأن العرب لم تراع ذلك»(3). وقال الدماميني (ت828هـ) «ولا أعرف خلافًا في ذلك إلا ما حكي عن ابن الطراوة من شيوخ الأندلسيين من وجوب القطع فيه»(4).
وتابع ابن الطراوة من متأخري النحويين الخضري قال «لأن ما بدئ بهمزة الوصل فعلًا كان أو غيره يجب قطعها في التسمية به لصيرورتها جزأ من الاسم»(5). ومن المحدثين عباس حسن قال «إذا كان العلم منقولًا من لفظ مبدوء بهمزة وصل فإن همزته بعد النقل تصير همزة قطع -كما أشرنا، نحو: «إستقبال» علم امرأة، و»أل» علم على الأداة الخاصة بالتعريف أو غيره، بشرط أن تكتب منفردة مقصودًا بها ذاتها؛ فنقول: «أل» كلمة ثنائية، و»أل» في اللغة أنواع من حيث المدلول ...، ومثل: يوم الإثنين، بكتابة همزة: (إثنين) لأنها علم على ذلك اليوم ... ومثل: (أُسكُت) علم على صحراء»(6).
والآن، أنقول يوم الاثنين بهمزة وصل وفاقًا لما قرره سيبويه وجمهرة النحويين أم نقول يوم الإثنين بهمزة قطع وفاقًا لابن الطراوة ومن تابعه من المتأخرين؟
الصواب في نظري مذهب سيبويه وجمهور النحويين، مع أن العلمية الجنسية في رأيي ليست (للاثنين) بل للمركب الإضافي (يوم الاثنين) كما العلم المركب امرئ القيس الذي لا تغير همزته للعلمية، وكذلك (عبد الله) لم تقطع الهمزة للعلمية؛ فالهمزة غير واردة أصلًا في اللفظ، فهي محذوفة اقتصارًا قبل النقل للعلمية، ومن يقطعها يجتلبها من غير حاجة، إذ كل معرف بأداة التعريف يستغني عن همزة وصله.
- - - - - - - - - - -
(1) سيبويه، الكتاب، 3/ 199.
(2) ابن مالك، شرح الكافية الشافية، 3/ 1466-1467.
(3) ابن عقيل، المساعد على تسهيل الفوائد (3/ 50.
(4) بدرالدين الدماميني، المنهل الصافي في شرح الوافي، تحقيق: فاخر جبر مطر (ط1. دار الكتب العلمية/ بيروت 2008م.)، 1/ 116 .
(5) الخضري، حاشيته على شرح ابن عقيل، عناية يوسف البقاعي (ط1. دار الفكر/ بيروت، 2003م) 1/651.
(6) عباس حسن، النحو الوافي (1/ 306. وقوله (أسكت) سهو منه، والمقصود (إصمت).