* لعل أحد معارف الإنسان بشكل مجمل في هذه الحياة بشكل موجز هي ( العقل - الخبر - التجربة الحسية) , والتجربة الحسية هي أكثر ما يسفسط فيها الفرد ويتبلور بقناعاته من خلالها، لا نعلم هل هي وسائل تطمين وتهدئة لما هو غير مألوف، فيتم ترويضها بحيث تتناسب مع ما يجنح إليه من خلال تمويهه لها، أم هي طريقة للخروج من مأزق الخطأ الذي لا يجمَّل ولا يرقع بخيوط من قماشه، بل لا بد من تعتيمه بالسواد وشقه بخطأ أكبر منه وأشد توسعًا من نتائجه، أم هي طريقة تغتال فيها الحقوق بتأويلها عن شكلها الحقيقي لتخرج بمنظور يناسب ما حورب فيه ليدعمه ويدحض الحق الذي يُرمى إليه من أتباعه بما يحملونه بجعبة أسبابهم كانت محسوسة أم معقولة كحد أدنى بالنسبة لما يرمون إليه ويرتجونه.
* المغالطات والاحتكام إلى الجهل من خلالها ليست إلا تخلصًا من عبء إثبات شيء ما على أنه حقيقة معقولة ومسلّم بها. وصحة افتراض فكرة معينة بمدلولاتها المفترضة ماهي إلا ضرب من ضروب الوهم الذي تجذّر تجذّرًا خفيًا ونبت بأرض واقعية لكنها بحقيقتها عدمية لأنها تلغي فرصة الاكتشاف والتحقق للتأكد من صحة أو خطأ هذا الافتراض المكبل به والذي لا يسمح له حتى باحتمال وجود إجابة مجهولة أو احتمال ألا يكون الافتراض صحيحًا أو خاطئًا بالكامل أيضًا.
* ماذا لو كانت الأرض رحبة لينة وسلمنا بأن انعدام الدليل هو دليل لردع قرار أو قبوله، أو دحض رأي أو اعتناقه. جحا يسوق لنا بطرافته طرفًا من الوجهة التي التمسناها للإيقاع بالمعنى، بقوله إن عدد نجوم السماء 51699 نجمة، فلما كذبه أحد جلسائه، قال له: قم عدها لتثبت كذبي!
ويعد أسلوبه هذا سبيل من سبل التخلّص أو المواجهة الفعلية التي تؤكّد أن التأويل بحر يتقدم جزره بمقاربته لما ترتجيه عقولنا وترغبه، ويتأخر مده بمدى ابتداعنا وابتعادنا عن العقل ومسلماته وتصدير مشهد الأهواء في صورته الكاملة بحسب المتلقي ومستوى إدراكه.
* يوضح كارل ساغان في كتابه «عالم تسكنه الشياطين: الفكر العلمي في مواجهة الدجل والخرافة «: أن الاحتكام إلى الجهل هو ادعاء صحة أي شيء لم يثبت أنه خطأ والعكس صحيح (لا يوجد دليل مقنع على عدم قيام الكائنات الفضائية بزيارة الأرض، لذا من المؤكد أن هذه الكائنات موجودة، وأن الحياة الذكية موجودة في مكان ما من هذا الكون ...).
إن غياب الدليل ليس دليلاً على غياب الشيء، وهذا الشيء لم يوجد من عدم، فلا بد من وجود دليل عليه». هنا يتم اكتشاف البون الشاسع بين الأفكار ونشأتها، والعقول ومدى تقبلها لحقيقة الشيء وعدم وجود سبيل لإيضاح عدميته أو حضوره في ساحة الأدلة العقلية أو الشعورية التي يمكن أن يتوغل العقل فيها لتبدو مفهومة ومدركة ويستند عليها بطرحه ويؤكد فيها مالا يؤكد إلا بالحجة والبرهان.
* ومن هنا قد تقبل فكرة التسليم مع تدارج الصحة وأخذها على أكثر من محمل يفيد المنطق والسلام والتصالح مع الأفكار التي تتعارض مع ما يخالفها إن لم تتجاوز الثوابت، وكانت خيوط أمانها الفكري محكمة؛ لأنها حيكت بإبرة التأني فعلاً وقولا بلباس الفكرة، وقد تقبل أيضًا إن كانت بسياق الصحة المجمع عليها تفسيرًا عقليًا لا جدليًا من فرقتين متضادتين لا يتعاضد أيًا منهما على تجريد حرية الآخر وسلبه حقه الخاص في تعميد فكرة أو هدمها.
والنوايا وحدها سربال للمطايا، فقد تكون مغمدة بالخطأ لكنها مسربلة بالصحة التي تقود لكل خير والعكس صحيح كذلك.
* لا ثوابت في كونك الداخلي.. كل ما يمنحك السكينة في إرجاء معمورة روحك بإمكانه أن يجردك منها إن لم تكن خالصة منك ولك وبك، وكل ما يلهمك فيها ستجده يرجفك وينفرك منها إن لم تكن في سريان متناغم مع حبل الوتين دون انقطاع أو صد عما هو أقرب لك منه.
سفسطتك المختارة قد تتبدل في وقت ما، وصفة التأرجح في تناول رأي ما، ستنساق لك أيها الإنسان بكامل مناقبها مع الأعوام ... لا ثبات ولا ديمومة ولا حقيقة مسلم بها إلا حقيقة وجوده عز وجل، لا سفسطة ولا جدال فيها؛ لأن الفرضيات التي ينقاد إليها من خلالها تأكيد وإثبات للمسلمات والموجودات.
** **
- أشواق محمد الوهيد