د. إبراهيم بن جلال فضلون
في ساحات اللعب السياسي عالمياً، يكون الفوز للأقوى، والنصر حليف من ينتهز الفُرص ويقتنصها (فالحرب خُدعة) و(اللي تغلب بيه العب بيه)، لتتجه أنظار العالم كله، نحو سيد الكرملين، بما يفوق مائة وثلاثين ألف جندي، في تلميح يوحى بقرب غزو للجارة الأوكرانية، فإذا اختار الدُب الروسي خيار باب الحرب بالقرصنة، فيمكنه تطويق «كييف» والإطاحة برئيسها «زيلينسكي» في يوم وليلة، وفق خطوات تبدو مُرجحة مُعطياتها وهالاتها الكلامية إعلامياً، وستكون التكلُفة البشرية كبيرة بمقتل ما بين 25 و50 ألف مدني، وما بين 5 آلاف و25 ألف جندي أوكراني، وما بين 3 آلاف و10 آلاف جندي روسي، كما يمكن أن يتسبب في تدفق مليون إلى 5 ملايين لاجئ بشكل رئيسي إلى بولندا.
ففي الأسابيع الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، أرسل جنرال ألماني رسالة لحلفائه النمساويين، تقول: «الأمر خطير، ولكنه ليس كارثياً».. ليأتي الرد: «الوضع هنا كارثي، ولكنه ليس بخطير»... هذا ما يحدث الآن بين كلمات الأوكرانيين وحلفائهم، وما بينهما من خلاف قائم بين أميركا وأوروبا حول الوضع في أوكرانيا، ولخصها أحد كبار الساسة الألماني بقوله: «تعتقد الولايات المتحدة أن بوتين سيشن حرباً شاملة، ويعتقد الأوروبيون أنه يخادع».. فهم يرون «بوتين» أكثر مكراً ودهاءً، وأن فكرهُ المُتطرف، ما هو إلا مجموعة واسعة من تكتيكات مُصمَّمة فقط لزعزعة الاستقرار الغربي، وهو تهديد قد يكون أشد تدميراً لأوروبا من الحرب ذاتها.. ولا ننسى أن أميركا غزت العراق ودمرته ونهبته لتتركه مُتفرجة على حرائق أراضيه وشعبه، وقد يفعلها الروس بأنفسهم كونهم لا يأبهون لأحد إلا بسياسة فرض الأمر الواقع، وهو ما سيحدث كما حدث بتدخلاتها في سوريا، على الرغم أن سوريا والعراق أو المنطقة العربية ليست كأوكرانيا وحلفائها الأوربيين والناتو وغيرهما».
بلى، قد تكون العواقب وراء حشد روسيا قواتها وإرسال الأمريكان جنودها سيئة، ليتعدى تأثيرها النطاق الذاتي إلى الإطار الإقليمي، أو العالمي.. على الجبهة الغربية والآسيوية، وقد تتمزق على إثرها روسيا من جديد، فهل يُقدم قيصر «الكرملين» على تصرف «أحمق»، في نظر كثيرين، خصوصاً في أميركا، وفي عواصم دول «الناتو»، عموماً، رغم وجود أريحية عند من لديهم حنين إلى زمن الاتحاد السوفييتي.
وانطلاقاً من حكمة: «يجب أن يتجنب المرء نهائياً القول على نحو حاسم، إن أمراً ما لن يقع مُطلقاً، والأفضل ألا أقع في مثل هذا الحسم، رغم مرارة المُجازفة بواقع ما يجري على الأرض»، فالعقود الكثيرة من السلام في أوروبا الغربية، إلى جانب اعتماد القارة الكبير على النفط والغاز الروسي، تجعل المسؤولين يفترضون أن الخطوات الروسية العدائية الراهنة ليست إلا حيلة.
نعم، نجح بوتين في إعادة فرض الوجود الروسي على أرض عربية، كانت سوريا بوابتها، وأعاد رسم قواعد الحرب ككل، قابلهُ ضعف الغرب، لكن ذلك لن يكون مقياساً ولا نُزهة حرب أوكرانية، لأن الأمر هنا مُتعلق بمستقبل وهيبة «الناتو»، وهنا قد يكتفي بوتين بالزعيق أكثر من الفعل، فأيُّ توغل روسي داخل أوكرانيا من شأنه إنقاذ النظام الأوروبي المريض حالياً، ولن يكون أمام الناتو إلا الرد بقوة، وإلا ستكون بداية تقسيمه قائمة، ليكون نجاح الدُب الروسي مربوطاً بقدرات المجتمعات الغربية غير المُستعدة لمواجهة ضغوط أسعار الطاقة المرتفعة، والتضليل الإعلامي، وعدم الاستقرار السياسي على المدى الطويل، فهل سيتركون أوكرانيا جُثة هامدة مُشتعلة، «فاحذر أيها العالم الغافل إذا دعوت دُباً إلى حفلة رقص، فلن تكون أنت مَن يقرر متى ينتهي الحفل».