د. عبدالحق عزوزي
أعلنت الصين وروسيا في نفس يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين الأسبوع الماضي شراكة «بلا حدود» لتدعم كل منهما الأخرى في مواجهات بشأن أوكرانيا وتايوان مع تعهد بزيادة التعاون في مواجهة الغرب؛ ولا غرو أن هذا الإعلان المشترك للرئيس الروسي ونظيره الصيني، يشكل بدء حقبة جيوسياسية جديدة.
واستنكر البلدان اللذان تشهد علاقاتهما مع واشنطن توتراً متصاعداً، دور التحالفين العسكريين الغربيين اللذين تقودهما الولايات المتحدة الأمريكية: الحلف الأطلسي وحلف «أوكوس» الذي أنشئ بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا عام 2021، باعتبارهما يقوضان «الاستقرار والسلام العادل» في العالم.
إن كان الرئيس بوتين هو المستفيد الأكبر من هذا الإعلان، لأن دعم عملاق اقتصادي وسياسي مثل «بكين» سيجلب فوائد جمة لـ»موسكو»، فلا غرو أن الصين هي أيضاً مستفيدة من هذا التعاون، وخصوصاً أن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن جعلت من قطع أجنحة الصين المتوسعة في العالم واحدة من أولوياتها الكبرى في سياستها الخارجية، كما أنها يمكن أن تستفيد من ذلك في الصراع ضد الدول الغربية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ زد على ذلك أن السياسة الخارجية للصين تغيرت عن بكرة أبيها في مناطق عدة من العالم كما هو الشأن مع إفريقيا، وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث استضافت بكين خلال الشهر الماضي، وزراء خارجية العديد من دول الخليج العربي لاكتشاف سبل الارتقاء بالعلاقات وتعميق التعاون الأمني ... كل هذا يجعل من وجود حلف موثوق به من حجم روسيا بالنسبة للصين أمرًا ضروريًا.
وقد باتت الصين خلال العامين الأخيرين أكبر شركاء روسيا التجاريين، محتلة بذلك مكان الاتحاد الأوروبي، إذ استحوذت على 15 في المائة من تجارة روسيا الخارجية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 31.5 في المائة. وبلغ 87.4 مليار دولار، منها 39 مليار دولار هي صادرات روسيا إلى الصين، مقابل واردات بقيمة 48.4 مليار دولار.
ويتوقع البلدان أن يتجاوز حجم التبادل التجاري عتبة الـ100 مليار، وفقاً لخطة طموحة تسعى إلى دفع التبادل بنسبة 150 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة. في حين أعرب بوتين عن ارتياحه لأن حجم التجارة الثنائية بين الدولتين يرتفع بنسبة 30 في المائة سنوياً. ويرى المتتبعون الإستراتيجيون أيضاً أن هناك جهوداً روسية- صينية لتقزيم حجم الدولار الأمريكي، بل وطرده من المعاملات التجارية... ففي السنوات الماضية قال بوتين لشي، الزعيم الصيني وهو يهديه آنية مصنوعة يدوياً وتحتوي على العسل الطبيعي، إن عليه أن يدفع ثمنها فأجابه الزعيم الصيني إنه لا يحمل معه في تلك اللحظة روبلات روسية ليدفع ثمن الآنية، فأجابه الرئيس الروسي سيكون عليك إذن الدفع بالعملة الصينية... ولقد حمل مزاح الرئيسين إشارة مباشرة إلى النقاشات الجدية الجارية بين البلدين للتحول تدريجياً نحو التعامل بالعملات الوطنية. ويرى خبراء أن الهدف الأساسي هو الحد من تأثير التعامل بالدولار الأميركي على التبادل الاقتصادي للبلدين، وهذا ما ينذر بالمزيد من الحروب التجارية التي لم تعرفها البشرية في النظام العالمي الجديد.
ولدى روسيا والصين في الوقت الحالي، أهداف مشتركة من بينها إنهاء الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، والتأثير فيه كفاعلين أساسيين يضرب لهما ألف حسبان وبناء نظام دولي جديد يقوم على أساس رؤيتهما الخاصة لحقوق الإنسان والديمقراطية؛ لذا لفتت الدولتان في الإعلان المشترك إلى أن «الصداقة بين البلدين ليس لها حدود، ولا حظر فيها على التعاون في أي مجال». وفي إطار أزمة الغاز الأوروبية، استغل بوتين زيارته الأخيرة إلى بكين للترويج لصفقة غاز جديدة مع الصين تقدر قيمتها بنحو 117.5 مليار دولار وتعهد بزيادة صادرات روسيا في الشرق الأقصى .... وهذا سيقلل من اعتماد موسكو على عملائها التقليديين في أوروبا، كما أنه سيشكل ضربة للعقوبات المقبلة ضد روسيا في حال اجتياحها لأوكرانيا ... وقال بوتين في اجتماع مع الرئيس الصيني لمناقشة التعاون الوثيق، بالحرف: «أعد رجال الطاقة لدينا حلولا جديدة جيدة جداً بشأن إمدادات الهيدروكربون إلى جمهورية الصين الشعبية» وهذا يعني أن قبل اجتياح روسيا لأوكرانيا هناك تعاون استباقي بين روسيا والصين للحد من العقوبات الدولية الممكنة في حق روسيا وهناك إستراتيجيات مستقبلية تجعل من تداعيات قطع الارتباط الاقتصادي بين روسيا وأوروبا بقيادة أمريكا ذات نتائج محدودة.