د. محمد بن إبراهيم الملحم
تحدثت عن أمثلة لعلماء لم يدرسوا في المدرسة أو أنهم درسوا فعلاً ولكن لم يحبوا فكرة الدراسة في المدرسة كونها مقيدة لإبداعاتهم ومحددة لجوانب الفكر لديهم، كما أنها تفرض عليهم أن يتعلّموا ما يمكن أن يكون خارج نطاق اهتمامهم مما يجعل المدرسة مكاناً مملاً، وأستكمل بعض الأمثلة معكم اليوم ولدينا أولاً مثال شهير جداً لمن نبذوا المدرسة هو أبو المخترعات الحديثة توماس أديسون، مبتكر 1000 ابتكار على رأسها المصباح الكهربائي والتلغراف والذي دخل المدرسة ولم يتمكن من التوافق مع أنظمتها وصرامتها، بل طردته المدرسة لترعاه والدته والتي كانت معلمة وتقوم بتدريسه في المنزل، وبدون شك كان لهذا التعليم النوعي على يد والدته كبير الأثر على تفوقه العلمي ونظرته الناضجة للأطروحات العلمية التي عالجها. ثانياً: عالم الفيزياء النووية السوفييتي أندريه شاخاروف (توفي 1989) والذي ساهم في مشروع السلاح الروسي النووي الحراري Thermonuclear Weapon ومشروع صناعة القنبلة الهيدروجينية وقد خضعت أبرز فكرة له في تصنيع السلاح النووي للاختبار من خلال قنبلة «القيصر» بقوة 50 ميغاطن والتي فُجّرت تجريبياً في أكتوبر عام 1961 وتُعد أقوى قنبلة نووية فُجرت في التاريخ حتى الآن. ثم أصبح فيما بعد ناشطاً بارزاً في الإصلاح المدني في الاتحاد السوفيتي وواجه اضطهاد الدولة ودعا إلى السلام والحريات لينال جائزة نوبل للسلام عام 1975 والتي سُميّت جائزة ساخاروف، حيث يمنحها البرلمان الأوروبي سنويًا للأشخاص والمنظمات المتميزين في حقوق الإنسان والحريات، هذا الرجل يقول عن المدرسة إنها «مضيعة للوقت» وقد تلقى التعليم في البيت أثناء حكم ستالين ولم يلتحق بمدرسة إلا في عمر 12 سنة، ليحكي عن هذه التجربة أن الخلفية التعليمية النادرة التي تلقاها بهذه الطريقة ربما كانت هي السبب وراء تفوقه العلمي وجرأته الفكرية لمقاومة الاستبداد.
ونستون تشرشل كان رئيس الوزراء في المملكة المتحدة من عام 1940 وحتى عام 1955 ليكون أبرز القادة السياسيين الذين ظهروا على الساحة السياسية خلال حروب النصف الأول من القرن العشرين، هذا الرجل بدأ تعليمه في المنزل وتعلّم القراءة والحساب فيه مبكرا ثم التحق بالمدرسة في عمر السابعة، لكن تعلّمه المنزلي أولعه بالقراءة والتي كانت وسيلته لأبواب المعرفة، ويقول في مذكراته التي عنونها (حياتي المبكرة): «كيف كرهت هذه المدرسة، ويا لها من حياة قلق عشتها لأكثر من عامين أحرزت فيها تقدمًا ضئيلاً جدًا في دروسي، ولكني كنت أعشق القراءة، فقد أعطاني والدي قصة جزيرة الكنز وأتذكر الفرحة التي التهمتها بها، ومرة رآني أساتذتي جالساً في الخلف وقد حضرت قبل أوان الدرس لأقرأ كتبًا تتجاوز سنوات عمري ولكنهم شعروا بالإهانة وكانوا يمارسون نوعاً من الإكراه ولكنني كنت عنيدًا. فعندما لا يتم إشراك مخيلتي أو اهتمامي بشكل منطقي، فلن أتمكن من التعلّم، بل إني في الواقع لا أستطيع».