مها محمد الشريف
ما الدافع إلى هذه التوترات، وما الباعث لهذا الخوف والقلق؟ ربما هي الحاجة إلى التكرار لأزمة مضجرة وحروب سابقة مدمرة، فغالباً ما يتخذ الناس من الحياة الغرض الأساسي ويتركون التحديات المختلفة التي ينبغي إدخالها إلى الواقع والرؤية المستقبلية، ولكنهم يتبعون الأمور الأكثر انتشاراً وفي الوقت نفسه لا تجد مخرجاً آخر سوى خطاب يعده الدارسون وفق تعليمات وخطوات لم يطبقوها فينصهر معظمهم في مكوناته.
فما إن انبثقت أزمة روسيا وأوكرانيا حتى حُشدت الجيوش، واستعدت الجيوش لهجوم متوقع من روسيا على أوكرانيا واكبها ارتفاع معدل التضخم في أوروبا وارتفاع أسعار الطاقة بسبب نقص الغاز الطبيعي، ما لبثت الأخبار تتردد حول خط الغاز "نورد استريم 2" بما أن هذا الخط يعتبر قوة لروسيا كمورد للغاز، فكثير من الرسائل الدبلوماسية اتخذت أماكنها بحثاً عن مستقبل جديد لهذه الأزمة، ولكن إلى الآن لا شيء تغيَّر، بل استمر تحذير المسؤولين الأمريكيين من أن الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا قد يودي بحياة حوالي 50 ألف مدني. كما رأوا أن الهجوم المحتمل قد يسفر عن سقوط العاصمة الأوكرانية كييف خلال أيام قليلة في أيدي روسيا، وهو ما ينتج عنه أزمة لاجئين في أوروبا، حيث من المتوقع أن يهرب ملايين الأوكرانيين إلى دول الجوار الأوروبية.
فهل التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا اللتين تمتلكان أكبر ترسانتين نوويتين في العالم سيصل بهما إلى الحرب الباردة، وهل هذا التنافس هو الفتيل الذي يشعل الحرب؟ لكي تبقى أوكرانيا ذلك الجزء المهم في الاتحاد السوفييتي السابق، على الرغم من أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طلب من دول الغرب عدم إثارة الذعر وسط استمرار حشد قوات روسية على الحدود مع بلاده، ولكن الولايات المتحدة ما زالت تصعّد وتحذّر من أن أي غزو روسي لأوكرانيا سيكون كارثياً وعلى نفس النهج والسياسة أكد قادة ألمانيا وفرنسا وبولندا يشددون على دعم سيادة أوكرانيا بعد زيارة إيمانويل ماكرون لمقابلة فلاديمير بوتين.
بهذا المعنى يدرك المرء أن ما يدور في ساحات الدول العظمى يتحقق بالحرف والكلمة والمعنى أن القوى العظمى ثلاث ولن تكون بعد اليوم أحادية، وفي الحقيقة هذا أكبر تحد تواجهه المجتمعات العصرية التنافس الشرس بين القوى العظمى، حيث إن المساعي إلى الآن غير إيجابية عطفاً على اللقاءات التي تمت مؤخراً بين الرئيس الفرنسي والرئيس الروسي، وكما قيل بأن مسافة الطاولة بين ماكرون وبوتين أكبر من تلك التي تفصل القوات الأوكرانية ونظيرتها الروسية لحرب مدمرة؟
وليس أمامنا إلا تسليط الضوء على مراكز النفوذ في العالم التي تحمل مسؤولية الأوضاع الأكثر كارثية في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط ونتج عنها خطط متخاذلة، لم تعزّز الدور الأمني المنشود والمنوط بها للدول المتناحرة وما يدور بها من حروب أهلية وحفظ السلام والمساهمة في توفير الحريات وحل النزاعات والرعاية التنموية ولكن التوصيات الرسمية غير قادرة على تحديد الصلاحيات وبذلك تم عرقلة بعض أولوياتها لمنافسة شرسة فيما بينها كل منهم يريد إقصاء الآخر.
لأجل هذا، يحق لنا أن نعتبر هذا الدور مبتوراً، فالدول العظمى خبأت ملفات كثيرة حفاظاً على مصالحها وتركت الإنسان تتقاذفه أمواج شرسة لا يعلم أين يستقر ومن أي السواحل يتم انتشاله، فلو أدرك روسو هذا العصر لقال: (أي موكب من الرذائل سيصحب حالة الارتياب هذه؟ لم يعد التقدير الحقيقي للسلام موجوداً)، فالدول الغربية اليوم تمارس منهجاً متعالياً وتحدياً خطيراً جداً، فهذا القرن أصبح مملوكاً ملكاً فرديا لدولة دون أخرى. وتشريعه يكافئ الأقوى فقط.