فإن مبدأ الشورى الذي جاء به الإسلام يستهدف الحيلولة دون انفراد الإنسان برأي له ما بعده، أو الاعتداد بنفسه وبعقله. ويقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}سُورة الشورى آية 38. وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} سورة آل عمران آية 159.
فإن مسيرة الحياة لا يمكن أن تخلو من عثرات وعقبات فلا بُدَّ من مواجهة كافَّة الأحداث بشتَّى صورها فقد أعطت الإنسان تجارب عدَّة مما جعلته تارة يقف عاجزاً بمفرده على أن يحيط بكثير من الحلول في كل مجال من مجالات الحياة التي لا يستطيع وحده تصورها وسبر أغوارها، ولكن بتعاونه مع غيره يستطيع -بعد الله- تحقيق ما يصبو إليه بشكل أفضل وأحسن.
حيث إن الشورى دعوة الإصلاح في كل الأمور وتحقق الحقيقة من كل الوجوه، وتدعم الأمَّة والقادة أثناء الأزمات والصّراعات والخلافات لأنها تقوم على إخلاص النّصيحة للمستشير.
فإذا عدنا إلى الآيات السّابقة الذكر وجدناها تشتمل على عدد من صفات المؤمنين، حيث إن الشورى بذاتها صفة إيمانية - فهذه الصفات هي في الحقيقة أوامر تأخذ صفة حال المؤمنين لأن الاستجابة بيد الخالق عزَّ وجلَّ مما جعل صفة الشّورى تتوسط الصَّلاة والزكاة وذلك لأهميتها، وعلو مكانتها.
فإن مسؤوليَّة الإنسان تجاه نفسه أوَّلاً وتجاه من يقوم عليه عظيمة ثانياً ومن هذا المنطلق نرى أن الإسلام لم يقدم للبشريَّة مبادئه إلاَّ مستهدفاً حسن تعايش النَّاس مع بعضهم البعض في جوانب هذا الكون بما فيه صلاح أمرها في دينها ودنياها فالوحدة الإسلاميَّة أمنية كل مسلم، وأمل كل مؤمن، حيث إن هذه الأمَّة عبارة عن كتلة واحدة تتأثر بما يتأثر به أيِّ فرد من أفرادها.
وهذه الوحدة وهذا الشعور وهذه المسؤوليَّة تفرض على كل فرد من الأفراد أنه يمثِّل وحدة الأمة وأن تصرفاته وأقواله وأفعاله ستعود عليه بالنفع قبل غيره، فالإخلاص في الإسلام هو التوحيد ولا يكون المرء مخلصاً إلاَّ إذا تشعبت أهواؤه وتوزعت همومه ومقاصده وخالطه النفاق. فالشورى هي النصيحة بذاتها، وهل يتصور في النصيحة الإخلاص والصدق والأمانة؟
فإن نبي الرحمة مُحمَّد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه يقول عن المستشار أنه إنسان مؤتمن، فإذا خان أمانته فقد ارتكب حراماً لا يليق بالمسلم الَّذي يصفه الله بهذه الصفات الإيمانية التي وردت فيها آية الشورى فالله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } سُورة الأنفال آية 27.
وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} سُورة النساء آيه 58.
وقال أحمد: لا إيمان لَمِنْ لا أمَانَةَ لَهُ، ولا دين لمن لا عَهْدَ لَهُ.
فالشورى من مبادئ الإسلام فالواجب على كل إنسان منَّا أن يلتزم بهذا المبدأ. وإنها صفة من الصفات الإيمانية التي يتحلَّى بها المسلمون كافَّة، وأن يتقيدوا بأحكام القرآن الكريم وبالسنة النبوية الشريفة، لأن الخروج عن هذه التعاليم القيمة خروج عن هذا الدين الإسلامي العظيم، ولو أجمع أهل الشورى عليه، لأنه لا عبرة للإجماع في مخالفة الشرع، وهذا أمر غير متصور في الجماعة المسلمة، لكنه من قبيل الافتراض. وهذه القاعدة تفترض أن يكون أهل الشورى علماء في الشريعة الإسلاميَّة، أو على الأقل أن يكون من بينهم علماء في الشريعة وألاَّ يقبل الرأي في غيبة هؤلاء مهما كانت الأسباب والمبررات فإن الحكم في الإسلام لا يتأثر بالشكل أو بالصُّورة، وإنما يحرص على الهدف والأثر، وقد كان نبي الرحمة مُحمَّد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه كان يتقبل الرأي السديد من أيِّ شخص كان، وكان يحرص كل الحرص على أخذ رأي أصحاب الاختصاص في الأمور التي هم أدرى بها.
وكانت له بطانة من صحابته يكثر من مشاورتهم حتى قال عنه -أبو هريرة رضي الله عنه:- ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشاورة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد التزم خلفاؤه من بعده بتطبيق مبدأ الشورى، وأتبع كل منهم الطريقة التي وجدها أقرب إلى تحقيق الهدف والغاية من الشورى.
والله الموفِّق والمعين..