إنَّ تعلَّق القلب بأحب الأعمال إلى الله نعمة عظمى ومِنَّة كبرى، وإنَّ أحب العمل إلى الله الصلاة، قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (الإسراء: 78) وقال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} (البقرة: 43)، ومن عظم فضل الصلوات الخمس أنَّها كفارة لما بينها من الذنوب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لما بينهن، ما لم تغش الكبائر». (رواه مسلم (233). والصلاة سبب لدخول الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ». (رواه مسلم (234). ومن قلبه معلَّقٌ بالمساجد، يحضر إلى الصلاة مبكراً يسابق المؤذن إليها، وفي هذا فضل وأجر عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ، أَعْظَمُ أجرًا من الذي يصلي ثم ينام». (رواه البخاري (623) ومسلم (662). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ من الجنة، كلما غدا أو راح». (رواه البخاري (631) ومسلم (669). قال ابن رجب رحمه الله: «من خرج إلى المسجد للصلاة فإنَّه زائر الله تعالى، والله يُعدُّ لَهُ نزلاً من المسجد، كُلَّمَا انطلق إلى المسجد، سواء كان في أول النهار أو في آخره، والنزل: هو ما يُعدُّ للضيف عند نزوله من الكرامة والتحفة». (فتح الباري لابن رجب (6/ 53) ومن يحضر إلى الصلاة مبكراً فإنَّ الملائكة تدعو له حتى تقام الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ، يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ». (رواه البخاري (628) ومسلم (274). وتعلق القلب بالمساجد علامة خير وصلاح، وعلامة على الإيمان، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (التوبة: 18)، وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور: 36-37) والمساجد أحب الأماكن إلى الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ البِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ البِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا». (رواه مسلم (671). ومن قلبه معلق بالمساجد فهو قلب منوَّرٌ بنور الإيمان، ولعله ممَّن يدعو في تهجده وعند ذهابه إلى المسجد، بالدعاء النبوي المتفق على صحته: «اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً..» إلى آخر الدعاء، ومن قلبه معلَّقٌ بالمساجد، فإنَّه من السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -وذكر منهم-: ورجل قلبه معلق بالمساجد». (رواه البخاري (629) ومسلم (1031) وذلك لشدة محافظته وعظيم حرصه على الصلاة مع الجماعة فيها، فهو يستعد إلى الصلاة بوقتٍ كافٍ ويسابق المؤذن إليها، ويصلي في الصف الأول، ويدرك فضل انتظار الصلاة، ويدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام، قلبه معلَّق بالمساجد لا معلَّقٌ بالملهيات، ولا لاهٍ في الغفلات، ولا شارد في أودية الهوى والأهواء، لا يُلهي قلبه عن الصلاة جمع حطام الدنيا، ولا لهث إلى المغريات المبعِّدات، قلبه معلَّقٌ بالمساجد فلا ينام عن الصلوات المكتوبات، ولا يتكاسل عن صلاة الجماعة في جميع الصلوات، يجد في صلاة الجماعة بالمسجد أنساً، ويجد فيها لذَّة العبادة التي من ذاقها فقد ذاق طعم السعادة حقَّاً، يجد في صلاة الجماعة راحته وطمأنينة قلبه، يصلي مع الجماعة بخشوع، ويتدبر ما يقول فيها، يُصليها صلاة مودِّع، فيا أيها الشاب اغتنم شبابك في المحافظة على صلاتك والمسا+بقة إليها، وجاهد نفسك في التبكير إليها، وأنت يا من بلغت أشدك، فبلغت أربعين سنة، كن سبَّاقًا إلى الصلوات المفروضات، وأنت يا من أمدَّ الله في عمرك، أما لك مُعتبرٌ من دنوِّلأجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ».
رواه الترمذي (3550) وابن ماجه (4236) والحاكم (3598) بسند صحيح. اللهم اجعل قلوبنا معلقة بالمساجد وتقبَّل صلاتنا وصالح أعمالنا.