«الجزيرة» - كتب:
صدر للمهندس عبدالمحسن عبدالله الماضي، كتابان هما: كتابة الكلام، والكاتب والكتابة.
الأول يقع في 171 صفحة من القطع الصغير، ويضم سبعة أقسام: الكلام، ولغة الكلام، وكتابة الكلام، وقراءة الكلام، ونص الكلام، وأنواع الكلام، ووسائل تداول الكلام، يقول الماضي في كتابه: «رفع الله تعالى في قرآنه الكريم منزلة «الكلام» من خلال تصوير موقف عزيز مصر من يوسف عليه السلام حيث يقول: «فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين».
كما أجل البشر «الكلام» وعدوه الصورة الظاهرة لعقل الإنسان، وذهب بعض ما قالوه مثلاً يتداوله الناس، ومن ذلك قول أبي حنيفة بعد أن سمع كلاما يدل على عقلية المتكلم: «أن لأبي حنيفة أن يمد رجليه»، وقول سقراط حين أراد أن يحكم على عقلية شخص: (تكلم حتى أراك).
وسئل الإمام علي بن الحسين عن الكلام والسكوت، أيهما أفضل؟ فقال: لكل واحد آفات، فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن الله ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت».
أما كتابه الثاني: الكاتب والكلام، فيقع في 173 صفحة من القطع الصغير، ويضم خمسة أبواب هي: الكاتب والكتابة، وكتابة السيرة الذاتية، وكتابة التاريخ، وكتابة القصة والرواية، والرقابة على الكتاب، ويكشف الماضي جوانب مهمة في إصداره حيث يقول:
1. قلم الكاتب حينما يلوح به يصبح بقوة وتأثير عصا الساحر يلون الأشياء ويحركها وينشئها من عدم.. يوهم القارئ أنه العارف بكل شيء.. وأنه قادر على فعل كل شيء.. وأنه الفاهم لكل شيء.. لكنه في الحقيقة يحاول أن يصنع عالمه الشخصي من خلال صناعة الوهم والإبحار في الخيال والاستغراق في الكذب.. فيحول الزمن من ماض إلى حاضر.. ويحول المكان من قاع صفصف إلى قصر مؤثث.. ويحول الأشخاص من كائنات طبيعية إلى أخرى خارقة.. الخلاصة أنه محتال كبير.. حينما يقول الكاتب: (كان يا ما كان)، فهو هنا يردد ذات الجملة التي يبدأ بها الساحر عمله المخادع: (هوكس بوكس)، لكنهما بلا معنى.. وليس المطلوب من الجمهور أن يفهم المعنى.. بل إن يدخل إلى عالم الخيال وأن يشد انتباهه لعله يفهم ماذا يعني من تلك الجمل الغامضة التي يرددها الكتاب والسحرة منذ الأزل.. ولا زال لها وقعها السحري في النفس ولم يكتشف الناس كذبها رغم السنين ومرات التكرار.. بل إنها تدفعهم لطلب المزيد وكأنهم (أي القراء) مجموعة من المدمنين الذين يطلبون المزيد من المخدر.
3. الكاتب والساحر لا يعملان وحدهما بل يعملان بمساعدة مخيلة القارئ أو المشاهد.. فهما اللذان يكملان الصورة وينسجان المشهد.. ويكونان الحبكة حتى تبدو حقيقية قابلة للتصديق.. فالقارئ والمشاهد إذا لم يعطلا نزعة الشك لديهما قتلا العمل.. وبالتالي قتلا المتعة.. فيقوم العقل طواعية بتعطيل نزعة الشك وروح التساؤل ومبدأ المنطق فيما يقرأ أو يشاهد.
4. الكاتب والساحر يوجهانك كيف تقرأ أو ترى أو تتخيل.. لكنهما لا يفرضان عليك طريقتهما.. هما فقط يحددان الاتجاه وأنت تقرأ أو تتخيل بطريقتك.. من هنا نجد ذلك الاختلاف الشاسع بين ما يفهم قارئ أو مشاهد وما يفهمه قارئ أو مشاهد آخر.. فالخيال هو الذي يضخ الروح في النص فيحوله من مجرد: رد كلمات إلى صورة متحركة بتفاصيلها مكاناً وزماناً وشخوصاً.
والجدير بالذكر أن المهندس عبدالمحسن الماضي، أحد الكتاب الذين أمضوا عقودًا في مهنة الكتابة، وهذان الإصداران يعكسان رؤيته في هذا الجانب، وعصارة تجربته في هذا الميدان.