عبدالمجيد بن محمد العُمري
قبل أن أتناول هذا الموضوع أود أن أشير إلى أنني اعتدت ألا أكتب عن قصة وحادثة إلا بعد أن أتأكد من صحة المعلومات من أصحاب القصة أنفسهم، أو ممن لهم علاقة مباشرة بالموضوع، وأما النقل والقص واللصق العفوي فلا أستسيغه حتى وإن كان ظاهره حسناً.
والموضوع الذي بين أيديكم جرى تداوله مؤخراً ولكن بصيغة غير مكتملة، ولذا فقد تحريت الدقة واتصلت على صاحب الخبر لكي أتأكد من الأمر، وتبينت منه الموضوع بالكامل.
وقد جاء في سياق الأخبار المتداولة وفيها خلط كثير ما نصه (هل عرفته؟ هذا الدكتور : إسماعيل لطفي رئيس جامعة جالا في تايلاند يفجر مفاجأة (جامعة «جالا» تأسست بنفقة من بائع «سواك» في الرياض اسمه عبد الله البحصلي من 40 عاما).
صاحب الصورة دكتور إسماعيل لطفي فطاني رئيس جامعة جالا ومن رواد الدعوة في دولة « تايلاند»ولا تكاد تجد أحدا يعمل في الدعوة إلاويعرفه، ويعرف أثره في الدعوة في تايلاند وفي المؤتمرات العالمية، من الدعاة النادرين، رجل يأسرك بتواضعه وعلمه وأدبه حفظه الله ونفع به البلاد والعباد.
بدأت القصة حينما كان الدكتور إسماعيل طالبا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وكان يصلي في مسجد في منطقة «البطحاء»، وحينما يخرج من باب المسجد يجد رجلا عجوزا اسمه «عبد الله البحصلي»، وكان الرجل كل يوم في صلاة الظهر يسلم على دكتور اسماعيل ويقول له: «يا إسماعيل لازم تبني مدرسة في تايلاند»، وكان العجوز لا يمل من تكرار هذه الكلمة على مسامع الدكتور إسماعيل- حفظه الله-، حتى ضج الدكتور وقرر أنه سيخرج من الباب الآخر للمسجد حتى يستريح قليلاً من إلحاح العجوز الذي لايتوقف أبدا، أبدا، تمر الأيام، وينوي الدكتور إسماعيل أن يرجع إلى بلده، ويذهب هذه المرة كي يودع عم عبد الله البحصلي، ويقول له إنه سيسافر، فإذا بالعجوز ينتفض ويمسك ذراع دكتور إسماعيل بقوة ويقول: لا تسافر قبل أن تمر علي في البيت، ويلح بشدة على الدكتور، فوعده وافترقا، وقبل السفر بيوم ذهب الدكتور إسماعيل للعم عبد الله كي يسلم عليه وتوقع أنه سيعطيه حزمة «سواك» كي يوزعها على المسلمين في تايلاند، ولما دخل عليه وجد الرجل يلتفت يمنة ويسرة ثم يخرج من جيبه مبلغ 30 ألف ريال، ويقول له: هذه في ذمتك يا إسماعيل، ابن مدرسة يا ولدي، هذه من ذمتي في ذمتك الآن،وافترق الرجلان، ورجع دكتور إسماعيل وأسس أكبر جامعة إسلامية في تايلاند جامعة «جالا» التي يبلغ عدد طلابها الآن 8 آلاف طالب، وعلى مدار أكثر من ثلاثين عاما يدرس فيها الطلبة والطالبات ويتخرجون كل عام، مات العم: عبد الله البحصلي ولم يمت اسمه ولا أجره إن شاء الله تعالى، مكتوب على حجر الأساس في الجامعة إلى الآن «تم إنشاء هذه الجامعة على نفقة «عبد الله البحصلي».
أناس كان بينهم وبين ربهم حال خاص، فلربما كانت هذه النقود هي كل ما يملكه العجوز، لكنه اشترى ما عند الله، وأظنه لم يكن يحلم أن تنفع هذه النفقة بهذا الشكل، لكنه الإخلاص الذي لايعلم قدره إلا من خلقه في سويداء قلوب الصالحين.
رحم الله العم عبد الله ورزقنا قلبا مثل قلبه، وأثرا مثل أثره) انتهى الخبر كما ورد سابقاً.
وحينما تواصلت شخصياً مع د. إسماعيل لطفي للتأكد من صحة المعلومات، قال لي: القصة فيها خلط كبير وتصحيحاً للموضوع بيّن التالي:
- إن الاسم المقصود للمتبرع هو عبدالله البوصي -رحمه الله- وليس عبدالله البحصلي.
- إن الرجل لم يكن بائعاً للمساويك بل كان بائعاً للخواتم، وينقش عليها الأسماء بمبسط فوق رصيف بالبطحاء وسط الرياض.
- المبلغ الذي قدمه هو ثلاثين ألف ريال سعودي وهو من أوائل المتبرعين وكان التبرع على دفعات ولم يكن دفعة واحدة.
- هذا المبلغ وصل إليهم مع تبرعات أخرى وصلت للطلاب التايلنديين في الرياض ومكة المكرمة.
-لم يكن (الطالب) أ.د. إسماعيل لطفي يصلي دائماً مع البوصي في البطحاء رحمه الله دائماً، لأنه كان يسكن في منفوحة ولكن البوصي ارتاح للدكتور إسماعيل ووثق به وقدم هذا التبرع.
- جامعة فطاني وقبلها كلية جالا لم تضع يوماً من الأيام اسم هذا المتبرع على حجر الأساس مطلقاً.
- بعد جمع المبالغ الأولى عام 1983م وشراء أرض تلقت الجامعة فيمابعد وكانت كلية آنذاك أول دعم رسمي من البنك الإسلامي للتنمية بمبلغ مليون ومائتين ألف دولار أمريكي.
- والحمد لله هذا المشروع بذرة خير قامت في المملكة العربية السعودية فكرة ورعاية ومساندة، وقد بارك الله في هذا الصرح العلمي وحظي بثقة واعتراف المؤسسات التعليمية داخل تايلند وخارجها، ورئيس الجامعة ومؤسسها هو الدكتور إسماعيل لطفي فطاني أو إسماعيل لطفي جافاكيا، ويشغل حالياً. منصب رئيس جامعة جالا الإسلامية بتايلاند، وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بتايلاند، وشيخ مجلس العلم بمسجد عباد الرحمن بفطاني، وعضو مجلس الشورى بتايلند ورئيس مجلس التعاون بين الأديان في تايلاند، وعضو في لجنة جائزة الملك فيصل العالمية، وله مؤلفات عديدة بعدة لغات، وحصل على الشهادة الجامعية والماجستير والدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وما ذكر عن سجايا د. اسماعيل لطفي فليس بغريب فقد لقيته أول مرة خلال زيارتي لفطاني بجنوب تايلند عام 1418هـ وكنت وقتها ضمن المشاركين في دورة شرعية بجامعة الأمير سونقلا بجالا - فطاني جنوب تايلند وزرنا مشروعهم وكان في بداياته، ثم التقيت به في مؤتمرات عديدة داخل المملكة وخارجها، وهو محب للمملكة وقيادتها وعلمائها وشعبها ويكن لهم التقدير والاحترام ويعترف لهم بالفضل عليه شخصياً وعلى الجامعة. بارك الله فيه وزاده الله شرفاً وعلماً وتقوى.