د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تحتاج المؤسسات المرتبطة بخدمة الناس إلى اختيار الطرق الآمنة لصناعة القرارات النوعية وتنفيذها؛ باعتبار أن كسب الرهان بهدف الصعود هو ما يجب أن تنصهر فيه كل الاستراتيجيات المتممة للمنجز البشري؛ وتلك رؤية مشتركة بين جلّ الموضوعات المتشابهة مرجعياً في كثير من قطاعات العمل؛ التي ربما يكون في بعضها ترهل وصفي لمقومات النجاح وأدواته؛ مما تعوذ منه الشاعر الحكيم:
«أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم»
ويقع خلف مقومات النجاح والعبور المنظم للغايات النبيلة، واقتناص سمين الأهداف وثمينها، ووهج النجاح وزهوه؛ وارتياد الحياة العريضة؛ يقع خلفها أركان وواجبات قابلة للتقييس؛ تحيطها الأسوار المانعة، والأطر المحكمة التي تحمل الإضاءات الصحيحة للعمل المؤسسي الخالد فخلود العمل يعني ميلاد متجدد للحياة المثمرة؛ يصنع من التفاصيل والصور زوايا للصعود؛ وطروحات تسطرها الأفهام والأقلام.
فعندما قرر أفلاطون بعد انتحار أستاذه سقراط؛ أن لا يخاطب الناس مباشرة إلا من خلال القلم وهو من انشغل بالجمال والخير في الحياة؛ وكان جلّ بحثه عنهما؛ فإنه كان يسعى إلى تصميم نوع من النظام الثابت؛ وهي خصيصة جيدة؛ ومنهج حريّ به أن يُدعم في قطاعات العمل المختلفة، حتى لا تتساقط النفوس حين الإفراط في التعامل المباشر مع البشر؛ وعندما حرّر أفلاطون نظاماً للعدل، وربطه باستقرار الحياة؛ فإنه صمم بذلك إطاراً لتصنيف البشر وفق قدراتهم وخبراتهم؛ وأمام أعين الناس وفي أعماق نفوسهم قد أورد رب العزة والجلال في محكم تنزيله رصدًا سماويًا للقدرة والخبرة {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} (34 سورة القصص).
وحيث إن البنية الأولى لإتمام الغايات والأهداف هي الموارد البشرية المحركة لكل فن ومنجز، وأنّ لكل اختصاص قوانينه الأساس؛ فإن الأكثر إلزاماً وهيمنة هو قانون الخبرة، وحتمية وجودها في ارتياد ذلك المضمار دون سواه؛ فالمتسابق للتربع في المكان؛ عليه أن يتوجه إلى طبيعة المهمة التي لبسها قبل أن يتوجه إلى نفسه؛ حيث إن مصطلح الخبرة والخبير وممارسة التعامل والعمل وفق مخزونهما؛ لابدّ فيه من التتابع للمعارف المتعددة في العقل البشري في ذات المجال، فليس كل من دخل مضماراً لبس خبرة المضمار بمجرد دخوله فيه..
والخبرة المهنية بمفهومها الواسع في كل المجالات والممارسات شريانها المعرفة التخصصية؛ وهي ما تعطي صقلاً أبعد للبنية التي يقوم عليها التماثل بين الهدف وصانعيه؛ فالخبرة تقترح العمل وليس العمل من يقترح ويصنع الخبرة؛ ولذا فإن قطاعات الأعمال ومؤسساتها إذا ما أرادت أن تبني النظام؛ وتصمم أدوات الفعل والفاعل فيه؛ فإنها لا بدّ أن تصنع التحاماً بين خبرة الصانع والصناعة وأن يمتد التحامهما إلى مفاصل النتائج؛ وأن لا تكون الاستجابات السطحية للقدرات الظاهرة إعلاناً يخبرنا عمن يجول في غير مضماره ثم يصنف من خبرائه وجهابذة الصناعة فيه؛ ويحتكم إليه ومنه؛ ناهيك عن قيادة رحلات الاستكشاف لتلك الصناعة؛ وحتماً فإنه رغم اكتمال مؤشرات الرحلة؛ أمامنا نهايات مغلقة! ومن الملزم تنموياً في حاضر يعج بتنوع الكوادر البشرية ومما يؤطر للسياسات التنموية الجيدة في نظري أن تُبث التقارير السنوية رسمياً لتخاطب جمهور المستهدفين وتكون بمثابة ملخص تنفيذي يقدم بأمانة وإقناع؛ وأحسبُ أن ذلك مراجعة للتقدم في العمليات المنفذة بناء على الخبرات المهنية الموجهة لمواقعها، ولعل في ردود فعل المستفيدين على تلك التقارير محصلة منطقية للتعامل مع دوائر المحاسبة، واستحداث وسائل للمحافظة على حجم معين من المنتجات يمكن استثمارها فكرياً!
وفي محيطنا الوطني لابد أن تكون الخبرات التنفيذية ملأى بما يُقيم ويستقيم من الخبرات الداعمة للتخصصات المختلفة (القانونية والتنظيمية والمالية) حتى لا تكون مواقعنا ذات المهام العظيمة مستراداً للتجارب الخاسرة؛ ومجالاً رحباً للتفاوض من أجل البقاء؛ وإن كان أبطالها نحن وهم.
خلاصة:
إذا لم نضع الخبرات في مكانها الصحيح من الحاضر؛ وأن نعرف ما يشي به من نذر وبشائر فلن نتمكن من إعادة الاعتبار للإنتاج وقيم العمل!