محمد هليل الرويلي:
ضيف العدد، مفعم بالحياة، ما جعله يتناول في مستهل حوارنا كُتبًا - أشبه ما تكون - صنعت منه مخلوقًا جديدًا مجتازًا للدروب الوعرة بعدما سرت في ذهنه.
الروائي المصري القاص والكاتب المسرحي الأستاذ (سمير مصطفى الفيل) قال مفسرًا أسباب التأثير: هناك أربعة كتب غيرتني تماما، «الحرافيش» رواية نجيب محفوظ لحسها الملحمي العميق ونطاقها الفلسفي، و»موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح حيث تلمس ملامح المكان بشكل بديع، وديوان أمل دنقل «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» إذ صوّر بدقة تداعيات الهزيمة على جيلنا، أما الكتاب الرابع بعنوان «الفلكلور. ما هو؟» فوزي العنتيل، وهو من الدراسات المبكرة التي شكلت وجداني. وأعتبر كتاب «ضرورة الفن» لأرنست فيشر، كتاب عمدة لمن يريد أن تكون لكتاباته صدى في الواقع والحياة.
أما أول كتاب قرأته فقد كان رواية «الحرام» ليوسف إدريس. بعدها ولفترات طويلة كنت أستعير من المكتبة العامة كل ما يوجد بها، وبالتحديد كنز قد لا يعرفه الجيل الحالي سلسلة «الألف كتاب»، واستعرت أيضًا «الصخب والعنف» فوكنر، و «وداعا للسلاح» هيمنجواي، و «ذكريات منزل الأموات» للكاتب الفذ ديستويفسكي. وكان أول كتاب اشتريته «الناس في بلادي» للشاعر الحكيم صلاح عبدالصبور. وأذكر أول قصة كتبتها بعنوان «في البدء كانت طيبة» وتضمنت نصوصا من البرديات الفرعونية من موسوعة سليم حسن، 1974، فازت بالجائزة الأولى في مسابقة نظمتها مجلة «صباح الخير»
وتابع: أما الكتب التي واجهت صعوبات في شرائها من معارض الكتب أو المكتبات: سلسلة «مصر القديمة» للعلامة سليم حسن وسلسلة «وصف مصر» وكلا السلسلتين توفرتا بثمن زهيد بعد ذلك ضمن مشروع مكتبة الأسرة.
(أتوبيس خط 77) فاز أيضًا
تستدعي الذاكرة ونحن نتحدث عن أبرز الحكايات والمواقف أو الطرائف ما حدث حينما أرسلت مجموعتي «جبل النرجس» بالبريد للمجلس الأعلى للثقافة وفازت بجائزة الدولة التشجيعية 2016، وتكرر نفس الشيء بصورة أخرى حين أرسلت الهيئة العامة للكتاب مجموعتي «أتوبيس خط 77»، وقد حصلت المجموعة على جائزة ساويرس لفئة كبار الكتاب، مجال القصة القصيرة 2020.
وفي معرض إجابته عن سؤال يبحث في كتب قرأها وتمنى إعادة صياغتها، فيما لو أتيح ذلك أوضح قائلًا: أتصور أن رواية صبري موسى»فساد الأمكنة» والحاصل على جائزة «بيجاسوس» في أمريكا، رواية تصلح لكل الأزمنة فهي تقع في جبل الدرهيب بالبحر الأحمر وهي تراجيديا لها حس مأسوي مدهش. وقد كتبت عنها دراسة موسعة نشرت بمجلة «فصول» غير أنني وددت أن أغير من مصائر الأبطال غير أنني لم أجرؤ على ذلك. كذلك فإن كتاب «زوربا» لنيقوس كازانتزاكس، يحتوي مشاهد في غاية العذوبة وددت لو كنت الكاتب لمنحت نفسي فرصة التوغل مساحات أكبر للحديث عن المشاعر الإنسانية، أما رواية «لا أحد ينام في الإسكندرية» لإبراهيم عبدالمجيد فهي بانوراما سردية محكمة تمنح للقارئ المتعة بلا حدود وكاتبها يمتلك قلبا رهيفا.
وقال يصف حالة (التشظي) واللحظات التي شعر بها أن الكاتب قد نجح في سيطرته: أذكر أن مجموعتي «صندل احمر» والتي تعالج حياة طفل في محل أحذية قد كتب عنه كثيرا لأن ما ذكر بها هي كتابة ناتجة عن خبرة ذاتية. وأظن أن الطفل داخلي هو الذي كان يمليني المادة القصصية بتلوينها ولما كان العنوان مجرد عتبة أولى فهو نفس ما حدث لمجموعة أخرى بعنوان»ليمون مر» عن حياة البشر بعد جائحة كورونا. أتصور أن الكاتب بعد نفض يديه من عملية الكتابة يظل يرقب سفينته مبحرة فلا يدرك هل سترسو على شاطئ من أم تحطمها الأعاصير والأنواء.
مختارات من قصص عبدالعزيز مشري
قبل نهاية حوارنا، وتوديع ضيفنا الكريم، طلبناه أن يشركنا لحظة الكتابة. كيف تكون؟ وأن يسمي عنوان كتاب يوصي به والمحصلات - المتوقعة - التي سيصل إليها من ينتهي من قراءة الكتاب؟
واستجاب (مشكورًا) وأوضح أولًا؛ طقوسه الخاصة، وانفعالاته المصحوبة وقال: أكتب دائما عند أوقات التوتر حين أكون مهيئا لنقل شحنة الانفعالات من الوجدان إلى المساحة البيضاء، وأظل في قلق دائم حتى أتجاوز العتبة الأولى بسطور مضيئة فأمضي في الكتابة متتبعا إيقاعا داخليا، ولا أترك القلم إلا بعد أن يسكن صدري قدر من اليقين ممزوجا بالدهشة.
وأذكر إجابة على الشق الأخير: كتابا هو قريب لقلبي «انكسارات القلب الأخضر. مختارات من قصص عبدالعزيز مشري»، ويضم مقدمة نقدية ثم ثلاث مجموعات هي «أحوال الديار»، «أسفار السروي»، «موت على الماء» . الكتاب صدر عن سلسلة «أفاق عربية» عام 2003 ورئيس التحرير أ. د. محمد زكريا عناني، ولم يكن ليصدر سوى بالتعاون مع الصديق أحمد مشري. ويصور في أجزاء منه محنة الغسيل الكلوي لصديقي عبدالعزيز مشري الذي قابلته بالدمام ثلاث مرات.